كان العمل الذي قام به بولس ظاهرًا أمام الناس، لكن ماذا عن نقاء حبه لله ومقدار عمق حبه لله في قلبه، تلك أمور لا يمكن للناس أن تطلع عليها. ليس بوسع الناس أن ترى إلا العمل الذي قام به، ومنه يعرف الناس يقينًا أن الروح القدس استخدمه، لذلك يظن الناس أن بولس كان أفضل من بطرس، وأن عمله كان أعظم، ذلك لأنه تمكن من تدبير الكنائس. لم يلتفت بطرس إلا إلى اختباراته الشخصية، ولم يربح إلا نفرًا قليلاً من الناس أثناء عمله العارض، ولم يكتب إلا رسائل قليلة غير مشهورة، لكن مَنْ يدري عِظَم عمق محبة الله في قلبه؟ ظل بولس يومًا بعد يوم يعمل من أجل الله، وطالما وُجِدَ عملٌ مطلوب إنجازه، كان يعمله. لقد شعر بولس أنه بهذه الطريقة سوف يتمكن من الفوز بالإكليل ويرضي الله، لكنه لم يبحث عن طرق لتغيير ذاته من خلال عمله. كان أي شيء في حياة بطرس لا يحقق رغبة الله كفيلاً بأن يجعله يشعر بعدم الراحة. فكان يشعر بالندم لو لم يحقق رغبة الله، ويبحث عن طريقة مناسبة يستطيع من خلالها إرضاء قلب الله. بل إنه حتى في أدق جوانب حياته وأقلها أهمية كان يُلزِم نفسه بتحقيق رغبة الله. كان مُدقِّقًا جدًا فيما يتعلق بشخصيته القديمة، وكان أشد صرامة فيما يُطالب نفسه به من التعمُّق أكثر في الحق. لم ينشد بولس إلا صيتًا ومكانة خارجيين، وسعى إلى الاستظهار أمام الناس دونما السعي إلى إحراز أي تقدم عميق في مدخل الحياة. ما كان يهتم به هو العقيدة وليس الواقعية. يقول البعض إن بولس قام بعملٍ كثير من أجل الله، فلماذا لم يخلد الله ذكراه؟ وبطرس، لم يقم إلا بعملٍ قليل من أجل الله، ولم يقدم مساهمة كبيرة للكنائس، فلماذا كُمِّلَ؟ بطرس أحب الله إلى مستوى معين، وهو المستوى الذي طلبه الله، ووحدهم أناس كهؤلاء لديهم الشهادة. لكن ماذا عن بولس؟ إلى أي درجة أحب بولس الله، هل تدري؟ أي عمل لبولس كان من أجل الله؟ أي عمل لبطرس كان من أجل الله؟ لم يقم بطرس بعملٍ كثير، لكن هل تدري ما كان في أعماق قلبه من الداخل؟ كان عمل بولس يتعلق بتدبير الكنائس ودعمها، أما ما اختبره بطرس فقد كان تغييرات في شخصيته. لقد اختبر محبة الله. الآن، وبعد أن عرفتَ الفروق بين جوهرهما، أصبح بوسعك أن ترى مَنْ منهما – في النهاية – آمن حقًا بالله، ومَنْ منهما لم يؤمن حقًا بالله. أحدهما أحب الله بصدق، والآخر لم يحبه بصدق، أحدهما خضع لتغيير في شخصيته، والآخر لم يخضع، أحدهما عبده الناس وكانت صورته عظيمة، والآخر خدم بتواضع ولم يلحظه الناس بسهولة، أحدهما بحث عن القداسة والآخر لم يبحث عنها وكان يظن أنه غير نقي ولا يملك حبًا نقيًا، أحدهما امتلك إنسانية حقيقية والآخر لم يمتلكها، أحدهما امتلك الشعور بأنه خليقة الله والآخر لا. تلك هي الفروق في الجوهر بين بولس وبطرس. كان الطريق الذي سلكه بطرس هو طريق النجاح، وهو أيضًا طريق استعادة الإنسانية الطبيعية وواجب خليقة الله. يمثل بطرس كل الناجحين. هذا، بينما كان الطريق الذي سلكه بولس هو طريق الفشل، وهو يمثل كل الذين يخضعون ويبذلون ذواتهم لكن بطريقة سطحية لكنهم لا يحبون الله حبًا حقيقيًا. يمثل بولس كل الذين لا يملكون الحق. كان بطرس – في إيمانه بالله – ينشد إرضاء الله في كل شيء وإطاعة كل ما جاء من الله، وكان قادرًا على أن يقبل – دون أدنى تذمر – التوبيخ والدينونة، بل والتنقية والضيق والنقص في حياته أيضًا، ولم يستطع أيٌّ من ذلك أن يبدل من محبته لله. أليس هذا هو الحب الأسمى لله؟ أليس هذا إتمام واجب خليقة الله؟ سواء أكنت في التوبيخ أم الدينونة أم الضيقة، فإنك قادر دائمًا على بلوغ الطاعة حتى الموت، إذا استطاع الإنسان أن يبلغ هذا، فهو إذًا خليقة مؤهَّلَة، وليس أفضل من ذلك يحقق رغبة الخالق. تخيل أنه بوسعك أن تعمل من أجل الله لكنك لا تطيعه ولا تستطيع أن تحبه محبة حقيقية. إنك بهذه الطريقة لن تتمكن فحسب من تحقيق واجبك كخليقة الله، لكنك سوف تُدان أيضًا من الله، ذلك لأنك لا تملك الحق وغير قادر على إطاعة الله وتعصاه. إنك لا تهتم إلا بالعمل من أجل الله، ولا تهتم بأن تمارس الحق أو أن تعرف نفسك. إنك لا تفهم الخالق أو تعرفه، ولا تطيع الخالق أو تحبه. إنك شخصٌ عاصٍ لله بالفطرة؛ لذلك يوجد كثيرون غير محبوبين من الخالق.
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه