ربما يستدعي هذا إلى أذهان غالبية الناس كلام الله في سفر التكوين: "نَعْمَلُ ٱلْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا". حيث إن الله يقول "نعمل" الإنسان على "صورتنا"، فإن "ضمير المتكلمين الجمع" هنا يشير إلى اثنين أو أكثر؛ وحيث إنه يقول "نعمل"، فليس ثمة إله واحد فقط. بهذه الطريقة بدأ الإنسان يعتقد في فكرة أشخاصٍ متمايزين، ومن هذه الكلمات نشأت فكرة الآب والابن والروح القدس. فما هي صفة الآب إذن؟ وما هي صفة الابن؟ وما هي صفة الروح القدس؟ هل من الممكن أن يكون إنسان اليوم قد خُلِقَ على صورة واحد مُكوَّن من ثلاثة؟ وهل تكون صورة الإنسان في هذه الحالة مشابهة لتلك التي للآب أم الابن أم الروح القدس؟ على صورة أي شخص من أشخاص الله يكون الإنسان؟ هذه الفكرة عن الإنسان ليست صحيحة ولا معنى لها! فهي لا تفعل أكثر من مجرد تقسيم إله واحد إلى عدة آلهة. كان الوقت الذي كتب فيه موسى سفر التكوين بعد خلق الإنسان عقب خلق العالم، لكن في البداية، عندما بدأ الكون، لم يكن موسى موجودًا، ولم يكتب موسى الكتاب المقدس إلا بعد ذلك بمدة طويلة، فكيف عرف إذًا ما تكلم به الله في السماء؟ لم تكن لديه أدنى فكرة عن كيفية خلق الله للعالم. لم يرد في العهد القديم من الكتاب المقدس أي ذِكْر للآب والابن والروح القدس، فقط ذُكِرَ إله واحد حقيقي، يهوه، يقوم بعمله في إسرائيل، وقد دُعِي هذا الإله بأسماء مختلفة مع تغيُّر الأزمان، لكن ليس بوسع هذا أن يثبت أن كل اسم يشير إلى شخصٍ مختلف. لو كان الوضع كذلك، أفلا يكون هناك حينئذٍ عددٌ لا يُحصى من الأشخاص في الله؟ ما هو مكتوب في العهد القديم هو عمل يهوه، وهو مرحلة من عمل الله ذاته للبدء في عصر الناموس. كان ذلك عمل الله بحسب الموجود وهو يتكلم، وبحسب القائم وهو يأمر. لم يقل يهوه مطلقًا إنه الآب الذي أتى ليقوم بعملٍ، ولم يتنبأ مطلقًا بمجيء الابن لفداء البشرية. لكن فيما يتعلق بزمان يسوع، لم يُذكَر إلا أن الله تجسد ليفدي كل البشرية، لكن لم يُذكَر أن الابن هو الذي جاء. وبما أن العصور ليست متماثلة، والعمل الذي يقوم به الله نفسه أيضًا يختلف، فكان لا بد أن يقوم بعمله في ممالك مختلفة. وهكذا، اختلفت أيضًا الشخصية التي يمثلها. يعتقد الإنسان أن يهوه هو الآب ليسوع، لكنَّ يسوع لم يعترف بذلك في واقع الأمر، حيث قال: "لم نكن متمايزين كآب وابن مطلقًا؛ فأنا والآب السماوي واحد. الآب فيَّ وأنا في الآب؛ عندما يرى الإنسان الابن، فهو يرى الآب السماوي". بعد كل ما قيل، سواء كان الآب أو الابن، فهما روح واحد، وغير منفصلين إلى شخصين منفصلين. بمجرد أن يشرع الإنسان في التفسير، تتعقد الأمور بفكرة الأشخاص المتمايزين وكذلك بالعلاقة بين آب وابن وروح. عندما يتكلم الإنسان عن أشخاص منفصلين، أما يُعَد ذلك تجسيمًا لله؟ حتى إن الإنسان يرتب الأشخاص كشخصٍ أول وثانٍ وثالث؛ ليست هذه كلها إلا تصورات الإنسان ولا تستحق الإشارة إليها، وهي غير واقعية بالمرة! إن سألته: "كم إلهًا يوجد؟"، لقال لك إن الله ثالوث مكون من الآب والابن والروح القدس، الإله الواحد الحقيقي. فإذا سألته أيضًا: "مَنْ هو الآب؟"، سيقول: "الآب هو روح الله في السماء. هو الضابط للكل، وسيد السماء". "فهل يهوه هو الروح؟"، سيقول: "نعم!". فإذا سألته حينئذٍ: "من هو الابن؟"، سيقول إن يسوع هو الابن بالطبع. "فما قصة يسوع إذًا؟ من أين أتى؟"، سيقول: "يسوع وُلِدَ من مريم من خلال الحبل بالروح القدس". إذًا أليست مادته هي الروح أيضًا؟ أليس عمله أيضًا يمثل الروح القدس؟ يهوه هو الروح، وهكذا أيضًا مادة يسوع. الآن في الأيام الأخيرة، لا يعوزنا أن نقول إن الروح مازال يعمل؛ فكيف يكونون أشخاصًا مختلفين؟ أليس الأمر ببساطة أن روح الله يقوم بعمل الروح لكن من مناظير مختلفة؟ لهذا، لا يوجد تمييز بين الأشخاص؛ فيسوع تم الحمل به بواسطة الروح القدس، وعمله – من دون شك – هو عمل الروح القدس بالضبط. إن يهوه في المرحلة الأولى من العمل الذي قام به لم يتجسد أو يظهر للإنسان؛ إذن، لم يرَ الإنسان شكله مطلقًا. بغض النظر عن عظمته أو طوله، ظل هو الروح، الله نفسه الذي خلق الإنسان في البدء. كان هو روح الله. عندما تحدث إلى الإنسان من بين السحاب، كان مجرد روح. لم يشهد أحدٌ شكله إلا في عصر النعمة عندما تجسد روح الله واتخذ جسدًا في اليهودية، حينئذٍ فقط رأى الإنسان للمرة الأولى صورة التجسد كيهودي. لم يكن الإحساس بيهوه ممكنًا. لكنه كان قد حُبِلَ به من الروح القدس، بمعنى أنه حُبِلَ به من روح يهوه نفسه، ووُلِدَ يسوع بوصفه تجسد روح الله. ما رآه الإنسان في البداية هو نزول الروح القدس مثل حمامة على يسوع، لكنه لم يكن الروح الخاص بيسوع، بل الروح القدس. فهل يمكن فصل روح يسوع عن الروح القدس؟ لو كان يسوع هو يسوع، الابن، وكان الروح القدس هو الروح القدس، فكيف يمكن لهما أن يكونا واحدًا؟ لو كان الأمر كذلك لتعذر القيام بالعمل. الروح الموجود في يسوع والروح الذي في السماء وروح يهوه كلها واحد. يجوز أن يطلق عليه الروح القدس وروح الله والروح المُؤلَّف من سبعة والروح الكلي. يستطيع روح الله وحده أي يقوم بعملٍ كثير؛ فهو يستطيع أن يخلق العالم وأن يفنيه بإغراق الأرض، ويستطيع أن يفدي كل البشرية، بل وأن يقهر كل البشرية ويفنيها. هذا العمل يتم بواسطة الله ذاته، ولا يمكن أن يكون قد تم بواسطة أيٍّ من أشخاص الله الآخرين في محله. يمكن أن يُنادى روحه باسم يهوه ويسوع، وأيضًا باسم القدير. إنه الرب والمسيح. كذلك يمكنه أن يكون ابن الإنسان. إنه في السموات وعلى الأرض أيضًا. إنه أعلى من الأكوان وفوق البشر. إنه السيد الوحيد للسموات والأرض. من وقت الخلق وحتى الآن، ظل هذا العمل يتم بواسطة روح الله ذاته. سواء العمل الذي تم في السموات أم في الجسد، الكل قد تم بواسطة روحه. جميع المخلوقات، ما في السماء أو ما على الأرض، في قبضة يده القديرة، وكل هذا هو عمل الله ذاته، ولا يمكن لأحدٍ غيره في محله أن يقوم به. هو في السماء الروح، لكنه أيضًا الله ذاته، وهو بين البشر جسدٌ لكنه يظل الله ذاته. رغم أنه قد يُدعى بمئات الآلاف من الأسماء، لكنه يظل هو ذاته، وكل العمل هو تعبير مباشر عن روحه. كان فداء البشرية كلها من خلال صلبه هو العمل المباشر لروحه، وكذلك أيضًا المناداة على كل الأمم والأراضي في الأيام الأخيرة. في جميع الأزمان، لا يمكن أن يُدعى الله إلا بالقدير والإله الواحد الحقيقي الذي هو الله الكامل ذاته. لا وجود للأشخاص المتمايزين، وبالأحرى لفكرة الآب والابن والروح القدس! يوجد فقط إله واحد في السماء وعلى الأرض!
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. هل للثالوث وجود؟