هل جانبا شخصيّة الله في هذه المقاطع الكتابيّة جديريْن بالمشاركة؟ بعد أن سمعتم هذه القصة، هل لديكم فهمٌ مُتجدّد لله؟ أيّ نوعٍ من الفهم؟ يمكن القول إنه منذ وقت الخلق وحتّى اليوم، لم تتمتّع أيّة مجموعةٍ بمقدار نعمة الله أو رحمته وإحسانه مثل هذه المجموعة الأخيرة. مع أن الله، في المرحلة الأخيرة، قد أدّى عمل الدينونة والتوبيخ، وأدّى عمله بالجلال والغضب، إلا أنه في معظم الأوقات لا يستخدم سوى الكلمات لإنجاز عمله. إنه يستخدم كلمات للتعليم والسقي والإعالة والتغذية. وفي الوقت نفسه، ظلّ غضب الله مختبئًا دائمًا، وبصرف النظر عن اختبار شخصيّة الله الغاضبة في كلماته، لم يختبر إلا عدد قليل من الناس غضبه اختبارًا شخصيًّا. وهذا يعني أنه أثناء عمل الله في الدينونة والتوبيخ، مع أن الغضب المُعلن في كلمات الله يسمح للناس باختبار جلال الله وعدم تهاونه مع الإساءة، فإن هذا الغضب لا يتجاوز كلماته. وهذا يعني أن الله يستخدم الكلمات لانتهار الإنسان، وكشفه، ودينونته، وتوبيخه، بل وحتّى إدانته، لكن الله لم يغضب بعد بشدّةٍ من الإنسان، وبالكاد أطلق العنان لغضبه على الإنسان خارج كلماته. وهكذا، فإن رحمة الله وإحسانه اللذيْن اختبرهما الإنسان في هذا العصر هما الإعلان عن شخصيّة الله الحقيقيّة، في حين أن غضب الله الذي يختبره الإنسان ما هو إلا مُجرّد تأثير نبرة أقواله وحسّها. يأخذ كثيرون من الناس هذا التأثير على نحوٍ خاطئ على أنه الاختبار الحقيقيّ والمعرفة الحقيقيّة لغضب الله. ونتيجةً لذلك، يؤمن معظم الناس أنهم رأوا رحمة الله وإحسانه في كلماته، وأنهم عاينوا أيضًا عدم تساهل الله مع إساءة الإنسان، بل إن معظمهم وصل لمرحلة تقدير رحمة الله وتسامحه تجاه الإنسان. ولكن بغضّ النظر عن مدى سوء سلوك الإنسان، أو مدى فساد شخصيّته، كان الله يتحمّل دائمًا. وهدفه من تحمّله هو انتظار الكلمات التي تكلّم بها، والجهود التي بذلها، والثمن الذي دفعه لتحقيق تأثيرٍ في أولئك الذين يود ربحهم. إن انتظار نتيجة مثل هذه يستغرق وقتًا، ويتطلّب إنشاء بيئاتٍ مختلفة للإنسان، بالطريقة نفسها التي لا يصل بها الأشخاص مرحلة البلوغ بمُجرّد ولادتهم؛ فهذا يستغرق ثمانية عشر أو تسعة عشر عامًا، ويحتاج بعض الأشخاص إلى عشرين أو ثلاثين عامًا قبل أن يصلوا إلى مرحلة البلوغ الحقيقيّة. ينتظر الله استكمال هذه العمليّة، ومجيء مثل هذا الوقت، والوصول إلى هذه النتيجة. وطوال وقت انتظاره يكون وافر المراحم. ومع ذلك، خلال فترة عمل الله، يُجازى عددٌ قليل للغاية من الناس، ويُعاقَب بعضهم بسبب معارضتهم الشديدة لله. مثل هذه الأمثلة دليلٌ أكبر على شخصيّة الله التي لا تتهاون مع إساءة الإنسان، وتُؤكّد تمامًا الوجود الحقيقيّ لتسامح الله وتحملّه تجاه المختارين. بالطبع، في هذه الأمثلة النمطيّة، لا يُؤثّر الكشف عن جزءٍ من شخصيّة الله داخل هؤلاء الناس في خطّة تدبير الله الشاملة. في الواقع، في هذه المرحلة النهائيّة من عمل الله، تحمّل الله طوال فترة انتظاره، ودفع تحمّله وحياته ثمنًا من أجل خلاص من يتبعونه. هل ترون هذا؟ الله لا يُحبِط خطّته بلا سببٍ. يمكنه أن يُطلِق غضبه، ويمكن أن يكون رحومًا أيضًا؛ هذا هو الإعلان عن الجزأين الرئيسيّين من شخصيّة الله. هل هذا واضحٌ جدًّا أم لا؟ أي أنه عندما يتعلّق الأمر بالله، وبالصواب والخطأ، وبالعدل والظلم، وبالإيجابيّ والسلبيّ – فهذا كله يظهر بوضوحٍ للإنسان. أمّا ما سوف يفعله، وما يحبّه، وما يكرهه فيمكن أن ينعكس كله مباشرةً في شخصيّته. يمكن أن تكون مثل هذه الأمور أيضًا واضحة جدًّا وجليّة في عمل الله، وهي ليست مبهمة أو عامة، بل إنها تسمح لجميع الناس بأن ينظروا شخصيّة الله وما لديه وما هو عليه بطريقةٍ ملموسة وصحيحة وعمليّة على نحو خاص. هذا هو الإله الحقيقيّ نفسه.
إذا لم أشارك هذه الأمور، فلن يتمكّن أيّ واحدٍ منكم من رؤية شخصيّة الله الحقيقيّة في قصص الكتاب المُقدّس. هذه حقيقة. والسبب في ذلك هو أنه مع أن هذه القصص الكتابيّة سجلّت بعض الأشياء التي فعلها الله، إلا أن الله لم يتكلّم سوى بالقليل من الكلمات، ولم يُقدّم شخصيّته مباشرةً أو يكشف عن إرادته بوضوحٍ للإنسان. لم تعتبر الأجيال اللاحقة هذه الروايات أكثر من كونها قصصًا، ولذا يبدو للناس أن الله يُخفي نفسه عن الإنسان وأنه ليس شخص الله هو المخفيّ عن الإنسان، بل شخصيّته وإرادته. بعد مشاركتي اليوم، هل ما زلتم تشعرون بأن الله مخفيٌ بالكامل عن الإنسان؟ هل ما زلتم تعتقدون أن شخصيّة الله مخفيّة عن الإنسان؟
منذ زمن الخلق، كانت شخصيّة الله متوافقة مع عمله. لم تُخفَ قط عن الإنسان، ولكنها أُعلنت تمامًا وانكشفت للإنسان. ولكن مع مرور الوقت، بات قلب الإنسان أكثر بعدًا عن الله، ومع ازدياد فساد الإنسان، تزايد الانفصال بين الإنسان والله. اختفى الإنسان من أمام عينيّ الله ببطءٍ ولكن بتأكيدٍ. أصبح الإنسان غير قادرٍ على "رؤية" الله، وهذا ما حال بينه وبين الحصول على أيّة "أخبارٍ" عن الله. ومن ثمَّ، فإنه لا يعرف ما إذا كان الله موجودًا، بل إنه يتمادى إلى حدّ إنكار وجود الله تمامًا. وعليه، فإن عدم فهم الإنسان لشخصيّة الله وما لديه وماهيته لا يرجع لأن الله مخفيّ عن الإنسان، بل لأن قلب الإنسان ابتعد عن الله. مع أن الإنسان يؤمن بالله، إلا أن قلب الإنسان يخلو من الله، وهو جاهلٌ بكيفيّة محبّة الله، ولا يريد أن يحبّ الله، لأن قلبه لا يقترب أبدًا من الله، كما أنه دائمًا ما يتجنّب الله. ونتيجةً لذلك، فإن قلب الإنسان بعيدٌ عن الله. أين قلبه إذًا؟ في الواقع، لم يذهب قلب الإنسان إلى أيّ مكانٍ: فبدلًا من أن يُسلّم الإنسان قلبه لله أو يكشفه لله، احتفظ به لنفسه. وهذا مع كون حقيقة أن البعض يصلّون في كثيرٍ من الأحيان إلى الله قائلين: "يا الله، انظر إلى قلبي – أنت تعرف كل ما أفكّر به"، والبعض يُقسِمون حتّى ويسمحون لله أن ينظر إلى قلوبهم، وقد يتعرّضون للعقاب إذا خالفوا قسمهم. مع أن الإنسان يسمح لله بأن ينظر إلى داخل قلبه، فإن هذا لا يعني أنه قادرٌ على طاعة تنظيمات الله وترتيباته، ولا أنه ترك مصيره وتطلعاته وكل ما له لتحكّم الله. وهكذا، بغضّ النظر عن القسم الذي تُقدّمه لله أو ما تعلنه أمامه، فإن قلبك في نظر الله لا يزال مغلقًا أمامه، لأنك تسمح لله بأن ينظر قلبك فقط ولكنك لا تسمح له بالتحكّم فيه. وهذا يعني أنك لم تُسلّم الله قلبك مطلقًا، ولا تتحدّث سوى بكلماتٍ لطيفة كي يسمعها الله؛ أمّا نواياك المخادعة المختلفة، مع مكائدك ومُخطّطاتك وخططك، فتخفيها عن الله، وتتشبّث بآمالك ومصيرك بين يديك، خائفًا على الدوام من أن يُبعدها الله عنك. وهكذا، فإن الله لا ينظر صدق الإنسان تجاهه أبدًا. ومع أن الله يراقب أعماق قلب الإنسان، ويمكنه أن يرى ما يفكّر فيه الإنسان وما يريد أن يفعله في قلبه، ويمكنه أن يرى ما يحتفظ به داخل قلبه، إلا أن قلب الإنسان لا ينتمي إلى الله، فالإنسان لم يُسلّمه ليكون تحت تحكّم الله. وهذا يعني أن الله له الحقّ في الاطلاع، ولكن ليس له الحقّ في التحكّم. في الوعي الذاتيّ للإنسان، لا يريد الإنسان ولا ينوي أن يترك نفسه لترتيب الله. فالإنسان لم يغلق نفسه عن الله وحسب، بل يُوجد أناسٌ يُفكّرون حتّى في طرقٍ لتغطية قلوبهم، باستخدام الكلام الناعم والإطراء لخلق انطباعٍ خاطئ وكسب ثقة الله، وإخفاء وجههم الحقيقيّ بعيدًا عن أنظار الله. هدفهم من عدم السماح لله بأن يرى هو عدم السماح له بأن يدرك ما هم عليه حقًا. إنهم لا يريدون تسليم قلوبهم لله، ولكن الاحتفاظ بها لأنفسهم. والمعنى الضمنيّ لهذا هو أن ما يفعله الإنسان وما يريده خطّط له الإنسان وحسبه وقرّره بنفسه؛ إنه لا يتطلّب مشاركة الله أو تدخّله، ولا يحتاج إلى تنظيمات الله وترتيباته. وهكذا، سواء فيما يتعلّق بوصايا الله أو تكليفه أو المتطلّبات التي يطلبها الله من الإنسان، تستند قرارات الإنسان إلى نواياه ومصالحه وحالته وظروفه الخاصة في ذلك الوقت. أن يستخدم الإنسان دائمًا المعرفة والأفكار التي يعرفها وعقله للحكم واختيار المسار الذي يجب أن يتّخذه، ولا يسمح بتدخّل الله أو تحكّمه. هذا هو قلب الإنسان الذي يراه الله.
من "عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"