عندما يمكنك أن تفهم حقًا أفكار الله وموقفه تجاه البشر، وعندما يمكنك أن تفهم حقًا مشاعر الله واهتمامه تجاه كلّ مخلوقٍ، سوف يمكنك أن تفهم التفاني والحبّ الموجّهين إلى كلّ واحدٍ من الأشخاص الذين خلقهم الخالق. وعندما يحدث هذا، سوف تستخدم كلمتين لوصف محبّة الله – ما هاتان الكلمتان؟ بعض الناس يقولون "مُضحّية"، وبعض الناس يقولون "خيريّة". من هاتين الكلمتين تُعدّ كلمة "خيريّة" الأقلّ ملائمة لوصف محبّة الله. هذه كلمةٌ يستخدمها الناس لوصف أفكار الشخص ومشاعره بشكلٍ عام. إنني أبغض حقًّا هذه الكلمة، لأنها تشير إلى توزيع الصدقة عشوائيًّا، ودون تمييزٍ، بغضّ النظر عن أيّة مبادئ. إنه تعبيرٌ عاطفيّ مفرط للأشخاص الحمقى والمرتبكين. عندما تُستخدم هذه الكلمة لوصف محبّة الله، هناك حتمًا نيّة تجديفٍ. لديَّ كلمتان أكثر ملائمة تصفان محبّة الله – ما هاتان الكلمتان؟ الكلمة الأولى "شاسعة". أليست هذه الكلمة مُعبّرة جدًّا؟ والكلمة الثانية "واسعة". هناك معنى حقيقيّ وراء هاتين الكلمتين أستخدمه لوصف محبّة الله. بحسب الاستخدام الحرفيّ، فإن كلمة "شاسعة" تصف حجم الشيء أو سعته، ولكن لا يهمّ حجم هذا الشيء – فهو شيءٌ يمكن أن يلمسه الناس ويروه. يعود السبب في هذا إلى أنه موجودٌ وليس كائنًا مُجرّدًا، ويعطي الناس إحساسًا دقيقًا وعمليًّا بدرجةٍ نسبيّة. لا يهمٌ ما إذا كنت تنظر إليه من زاويةٍ مُسطّحة أو ثلاثيّة الأبعاد؛ لست بحاجةٍ لتخيّل وجوده لأنه شيءٌ موجود بالفعل. ومع أن استخدام كلمة "شاسعة" لوصف محبّة الله يمكن أن يبدو وكأنه يُحدّد مقدار محبّته، إلّا أنه يوحي أيضًا بأن محبّته غير قابلةٍ للقياس. أقول إن محبّة الله يمكن تحديد مقدارها لأن محبّته ليست نوعًا من اللاكيان، ولا تنبع من أيّة أسطورةٍ. ولكنها بدلاً من ذلك شيءٌ تشارك فيه جميع الأشياء تحت حكم الله، وهي شيءٌ تتمتّع به جميع المخلوقات بدرجاتٍ متفاوتة ومن وجهات نظرٍ مختلفة. على الرغم من أن الناس لا يستطيعون رؤيتها أو لمسها، إلّا إن هذه المحبّة تجلب العيش والحياة لجميع الأشياء بقدر ما تنكشف شيئًا فشيئًا في حياتهم، كما أنها تتزايد وتشهد على محبّة الله التي يتمتّعون بها في كلّ لحظةٍ. أقول إن محبّة الله غير قابلةٍ للقياس لأن سرّ الله الذي يعيل ويُغذّي جميع الأشياء شيءٌ يصعب على البشر فهمه، وكذلك أفكار الله لجميع الأشياء، وخصوصًا أفكاره للبشر. وهذا يعني أن أحدًا لا يعرف مقدار الدم والدموع الذي سكبها الخالق من أجل البشر. لا أحد يستطيع أن يستوعب، ولا أحد يستطيع أن يفهم عمق أو وزن المحبّة التي يملكها الخالق للبشر الذين خلقهم بيديه. يهدف وصف محبّة الله بأنها شاسعة لمساعدة الناس على استيعاب وفهم اتّساعها وحقيقة وجودها. كما يهدف لمساعدة الناس على فهم المعنى الحقيقيّ لكلمة "الخالق" فهمًا أعمق، ومساعدة الناس على أن يكتسبوا فهمًا أعمق للمعنى الحقيقيّ "للخلق". ما الذي تصفه عادةً كلمة "واسعة"؟ إنها تُستخدم عادةً للمحيط أو للكون، مثل الكون الواسع أو المحيط الواسع. إن اتّساع الكون وعمقه الهادئ أبعد من الفهم البشريّ، كما أنه شيءٌ يأسر تصوّرات الإنسان، وهما يبعثان على الإعجاب. فغموض الكون وعمقه موجودان على مدى الرؤية ولكنهما بعيدا المنال. عندما تُفكّر في المحيط، فأنت تُفكّر في عرضه إذ يبدو بلا حدودٍ، ويمكنك أن تشعر بغموضه وشموله. ولهذا السبب استخدمتُ كلمة "واسعة" لوصف محبّة الله. والهدف منها مساعدة الناس على الشعور بمدى القيمة النفيسة لمحبة الله والشعور بعمق جمالها، وبأن قوّة محبّة الله غير محدودةٍ وشاملة. وهذا يساعدهم على الشعور بقداسة محبّته وكرامة الله وعدم قابليّته للإساءة كما ينكشف من محبّته. هل تعتقدون الآن أن كلمة "واسعة" كلمةً ملائمة لوصف محبّة الله؟ هل يمكن لمحبّة الله أن ترقى إلى هاتين الكلمتين: "شاسعة" و"واسعة"؟ بالطبع! في اللغة البشريّة، هاتان الكلمتان فقط ملائمتان نسبيًّا وقريبتان نسبيًّا من وصف محبّة الله. ألا تعتقدون ذلك؟ إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فهل ستستخدمون هاتين الكلمتين؟ على الأرجح أنكم لن تفعلوا ذلك لأن فهمكم وإدراككم لمحبّة الله يقتصر على منظورٍ مُسطّح ولم يسمُ إلى علوّ الفضاء الثلاثيّ الأبعاد. ولذلك إذا طلبت منكم وصف محبّة الله، فسوف تشعرون أنكم تفتقرون إلى الكلمات؛ وسوف تكونون حتّى عاجزين عن الكلام. قد يكون من الصعب عليكم فهم الكلمتين اللتين تحدّثت عنهما اليوم، أو ربّما لا توافقون ببساطةٍ. لا يتعلّق هذا سوى بحقيقة أن تقديركم وفهمكم لمحبّة الله سطحيّان ويندرجان ضمن نطاقٍ ضيّق. قلت سابقًا إن الله غير أنانيّ – وأنتم تتذكّرون كلمة غير أنانيّ. هل يمكن القول إن محبّة الله لا يمكن وصفها سوى أنها غير أنانيّةٍ؟ أليس هذا نطاقًا ضيّقًا للغاية؟ يجب عليكم التأمّل في هذه المسألة أكثر من أجل اكتساب شيءٍ منها.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ج)