القائمة

لأعلى التالي

كلمات الله اليومية: معرفة الله | اقتباس 126

65 2020-08-15

النسل: المنعطف الخامس

يبدأ المرء بعد الزواج في تربية الجيل التالي. لا خيار للمرء في عدد أطفاله أو جنسهم؛ فهذا أيضًا يُحدّده مصير الشخص الذي سبق الخالق فعيّنه. هذا هو المنعطف الخامس الذي ينبغي أن يمرّ به الشخص.

إذا وُلِدَ شخصٌ ما ليؤدي دور طفل لشخصٍ آخر، فإن المرء يُربّي الجيل التالي ليؤدي دور والد طفلٍ آخر. هذا التحوّل في الأدوار يجعل المرء يختبر مراحل مختلفة من الحياة من وجهات نظرٍ مختلفة. كما أنه يُقدّم للمرء مجموعة مختلفة من التجارب الحياتيّة يتعرّف فيها المرء على سيادة الخالق نفسها، بالإضافة إلى حقيقة أنه لا يمكن لأحدٍ أن يتخطّى سبق تعيين الخالق أو يُغيّره.

1. لا يتحكّم المرء فيما ينتج من نسله

يُقدّم الميلاد والنموّ والزواج جميعها أنواعًا متنوّعة ودرجات مختلفة من خيبة الأمل. بعض الناس غير راضين عن عائلاتهم أو مظهرهم الجسديّ؛ والبعض يكرهون والديهم؛ البعض يستاءون أو يتصارعون للتكيّف مع البيئة التي نشأوا فيها. يعتبر معظم الناس، من بين جميع خيبات الأمل هذه أن الزواج هو خيبة الأمل الأكثر تسبّبًا في عدم الرضا. بغضّ النظر عن مدى عدم رضا المرء عن ميلاده أو نشأته أو زواجه، فإن كل من مرّ بها يُدرِك أنه لا يمكن للمرء أن يختار مكان وزمان ميلاده، أو مظهره، أو والديه، أو شريك حياته، ولكن يتعيّن عليه ببساطةٍ قبول إرادة السماء. ولكن عندما يحين الوقت لتربية الجيل التالي، فإن الناس سوف يعملون على إسقاط جميع رغباتهم التي لم تتحقّق في النصف الأول من حياتهم على ذريتهم، على أمل أن يُعوّض نسلهم عن جميع خيبات الأمل التي مرّوا بها في النصف الأول من حياتهم. ولذلك تراود الناس جميع أنواع التخيّلات بخصوص أطفالهم: أن تكبر بناتهم فيصبحن ملكات جمالٍ وأبناؤهم سادة الأناقة؛ أن تكون بناتهم مثقّفات موهوبات وأبناؤهم طلّابًا لامعين ورياضيّين مشهورين؛ أن تكون بناتهم لطيفات فضيلات عاقلات وأبناؤهم أذكياء أقوياء ومرهفي الحسّ. يأملون من أولادهم، سواء بناتهم أو أبنائهم، أن يحترموا كبار السنّ ويراعوا والديهم ويصبحوا موضع محبّةٍ وتقدير الجميع.... في هذه المرحلة، تنتعش آمال الحياة وتتأجّج مشاعرٌ جديدةٌ في قلوب الناس. يعرف الناس أنهم عاجزون ويائسون في هذه الحياة، وأنه لن تُتاح لهم فرصة أخرى أو أملٌ آخر للتميّز عن الآخرين، وأنه ليس لديهم خيار سوى قبول مصائرهم. ولذا يعملون على إسقاط جميع آمالهم ورغباتهم غير المُحقّقة وأهدافهم على الجيل التالي على أمل أن يساعدهم نسلهم على تحقيق أحلامهم ورغباتهم وأن تجلب بناتهم وأبناؤهم الفخر لاسم العائلة أو يصبحوا بارزين أو أثرياء أو مشهورين؛ وباختصارٍ، يريدون أن يشهدوا بزوغ نجم أطفالهم. إن خطط الناس وخيالاتهم مثاليّة؛ ألا يعلمون أن عدد أطفالهم، ومظهر أطفالهم، وقدراتهم، وما إلى ذلك، ليس لهم أن يُقرّروها، وأن مصائر أطفالهم لا تكمن بين يديهم على الإطلاق؟ البشر ليسوا سادة مصيرهم، لكنهم يأملون في تغيير مصائر الجيل الأصغر؛ إنهم عاجزون عن الإفلات من مصائرهم، لكنهم يحاولون السيطرة على مصائر أبنائهم وبناتهم. ألا يبالغون في تقدير أنفسهم؟ أليست هذه حماقةٌ بشريّة وجهالة؟ يتمادى الناس إلى أبعد مدى من أجل نسلهم، ولكن في النهاية، فإن عدد ومظهر أطفالهم لا يجيب عن خططهم ورغباتهم. بعض الناس مفلسون ولكنهم ينجبون الكثير من الأطفال؛ وبعض الناس أثرياء ولكن ليس لديهم أطفال. يريد البعض ابنة لكنهم محرومون من تلك الرغبة، ويريد البعض ابنًا ولكنهم لا ينجبون طفلًا ذكرًا. يعتبر البعض أن الأطفال نعمة؛ ويعتبر البعض الآخر أنهم لعنة. بعض الأزواج أذكياء ولكن أطفالهم محدودو الذكاء. بعض الوالدين مجتهدون وصادقون، ولكن أطفالهم متبلّدون. بعض الوالدين طيّبون ومستقيمون ولكن أطفالهم يلجأون للمكر والخبث. بعض الوالدين يتمتّعون بسلامة العقل والجسم ولكنهم ينجبون أطفالًا معاقين. بعض الوالدين عاديّين وغير ناجحين ولكن أطفالهم يُحقّقون إنجازات عظيمة. بعض الوالدين مكانتهم منخفضة ولكن أطفالهم يرتقون إلى مرتبةٍ عالية. ...

2. بعد تربية الجيل القادم، يكتسب الناس فهمًا جديدًا للمصير

يتزوّج معظم الناس في سن الثلاثين تقريبًا، وفي هذه المرحلة من الحياة لا يكون للمرء أيّ فهمٍ لمصير الإنسان. ولكن عندما يبدأ الناس في تربية الأطفال، وبينما ينمو نسلهم، يشاهدون الجيل الجديد يُكرّر حياة وجميع تجارب الجيل السابق، ويرون ماضيهم منعكسًا فيهم، ويُدرِكون أن الطريق الذي يسلكه الجيل الأصغر، تمامًا مثل طريقهم، لا يمكن التخطيط له واختياره. وفي مواجهة هذه الحقيقة، لا يكون أمامهم خيار سوى الاعتراف بأن مصير كل شخصٍ مُعيّن قبلًا؛ وبدون أن يُدرِكوا تمامًا، يضعون رغباتهم جانبًا بالتدريج، وتتجمّد المشاعر في قلوبهم وتموت. ... خلال هذه الفترة الزمنيّة، يكون المرء قد اجتاز في الغالب المعالم المهمّة في الحياة وبلغ فهمًا جديدًا للحياة وأصبح له موقفٌ جديد. إلى أي مدى يمكن لشخصٍ في هذا السنّ أن يتوقّع من المستقبل وما هي آفاقه؟ أيّة امرأةٍ تبلغ من العمر خمسين عامًا ما زالت تحلم بالأمير الساحر؟ وأيّ رجلٍ يبلغ من العمر خمسين عامًا ما زال يبحث عن ذات الرداء الأبيض الخاصة به؟ أيّة امرأةٍ في منتصف العمر ما زالت تأمل في التحوّل من بطّةٍ دميمة إلى بجعةٍ؟ هل معظم الرجال الأكبر سنًا لديهم نفس الدافع الوظيفيّ مثل الشباب؟ باختصارٍ، بغضّ النظر عمّا إذا كان المرء رجلًا أو امرأة، من المُرجّح أن يكون لأيّ شخصٍ يبلغ هذا السنّ موقف عقلانيّ عمليّ بدرجةٍ نسبيّة تجاه الزواج والأسرة والأطفال. في الأساس لا تكون لمثل هذا الشخص خياراتٌ متبقية، ولا رغبة في تحدّي المصير. بقدر مدى التجربة الإنسانيّة، بمُجرّد أن يبلغ المرء هذا السنّ فإنه يُطوّر بطبيعة الحال هذا الموقف: "يتعيّن على المرء أن يقبل المصير؛ فأطفاله لهم حظوظهم الخاصة ومصير الإنسان تُقرّره السماء". معظم الناس الذين لا يفهمون الحقيقة، بعد أن يجتازوا جميع التقلّبات والإحباطات والمصاعب في هذا العالم سوف يُلخّصون رؤاهم في حياة الإنسان بكلمتين: "إنه المصير!" على الرغم من أن هذه العبارة تُلخَّص استنتاج وإدراك أناس العالم لمصير الإنسان، وعلى الرغم من أنها تُعبّر عن عجز البشريّة ويمكن أن يُقال إنها ثاقبة ودقيقة، إلا أنها بعيدةٌ كل البعد عن فهم سيادة الخالق، كما أنها ببساطةٍ ليست بديلًا عن معرفة سلطان الخالق.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (ج)

اترك رد