لماذا لم يحفظ الرب يسوع السبت؟
هذه الآيات موجودة في الكتاب المقدس: "فِي ذَلِكَ ٱلْوَقْتِ ذَهَبَ يَسُوعُ فِي ٱلسَّبْتِ بَيْنَ ٱلزُّرُوعِ، فَجَاعَ تَلَامِيذُهُ وَٱبْتَدَأُوا يَقْطِفُونَ سَنَابِلَ وَيَأْكُلُونَ. فَٱلْفَرِّيسِيُّونَ لَمَّا نَظَرُوا قَالُوا لَهُ: "هُوَذَا تَلَامِيذُكَ يَفْعَلُونَ مَا لَا يَحِلُّ فَعْلُهُ فِي ٱلسَّبْتِ!". (متى 12: 1-2). كلما قرأت هاتين الآيتين، لا يسعني إلا التفكير: "كان يوم السبت مقدسًا حدَّده الله يهوه للإسرائيليين. توقف الجميع عن عملهم في هذا اليوم وذهبوا إلى الهيكل لعبادة الله يهوه، لكن عندما أتى الرب يسوع كان يعمل في السبت، فلماذا لم يقُد تلاميذه للحفاظ على السبت؟ ماذا كان فِكره وراء هذا"؟ لطالما أزعجتني هذه الأسئلة دائمًا.
الرب يسوع لم يحفظ السبت
لاحقًا، فقط بعد قراءة فقرة على موقع للإنجيل، رأيت النور فجأة. اتضح أن هناك معنى وراء قرار الرب يسوع للعمل في السبت. هذا ما قالته تلك الفقرة: "عندما جاء الرّبّ يسوع، استخدم أفعاله العمليّة للتواصل مع الناس: ترك الله عصر الناموس وبدأ العمل الجديد، وهذا العمل الجديد لم يتطلّب حفظ السبت؛ كان خروج الله عن قيود يوم السبت مُجرّد لمحة مسبقة عن عمله الجديد، وكان عمله الحقيقي والعظيم لم يأتِ بعدُ. عندما بدأ الرّبّ يسوع عمله، كان قد ترك بالفعل أغلال عصر الناموس وخرق لوائح ذلك العصر ومبادئه. ولم يكن فيه أيّ أثرٍ لأيّ شيءٍ مُتعلّق بالناموس؛ فقد طرحه بأكمله ولم يعُد يحفظه، ولم يعُد يطلب من الناس أن يحفظوه. ولذلك ترى أن الرّبّ خرج بين حقول القمح في السبت؛ لم يسترح الرّبّ بل كان خارجًا يعمل. وكان تصرّفه هذا صدمةً لمفاهيم الناس وأبلغهم أنه لم يعُد يعيش في ظلّ الناموس وأنه ترك قيود السبت وظهر أمام البشريّة وفي وسطهم في صورةٍ جديدةٍ وبطريقةٍ جديدةٍ للعمل. وقد أخبر عمله هذا الناس أنه أحضر معه عملاً جديدًا بدأ بالخروج عن الناموس والخروج عن السبت. عندما أتمّ الله عمله الجديد، لم يعد يتعلّق بالماضي، ولم يعد مهتمًّا بلوائح عصر الناموس. لم يتأثّر بعمله في العصر السابق، ولكنه عمل كالمعتاد في السبت وعندما شعر تلاميذه بالجوع استطاعوا قطف سنابل القمح للأكل. كان هذا طبيعيًّا جدًّا في نظر الله. كان بإمكان الله أن تكون له بدايةٌ جديدة للعمل الكثير الذي يريد أن يفعله والأشياء التي يريد أن يقولها. بمُجرّد أن تكون لديه بدايةٌ جديدة، فهو لا يذكر عمله السابق مرّةً أخرى ولا يواصله. لأن الله له مبادئه في عمله. عندما يريد أن يبدأ عملاً جديدًا فإنه يريد أن ينقل البشريّة إلى مرحلةٍ جديدةٍ من عمله وينقل عمله إلى مرحلةٍ أعلى. إذا استمرّ الناس في التصرّف وفقًا للأقوال أو اللوائح القديمة أو استمرّوا في التمسّك بها، فإنه لن يذكر ذلك أو يثني عليه. والسبب في ذلك هو أنه جلب بالفعل عملاً جديدًا ودخل مرحلةً جديدة من عمله. عندما يبدأ عملاً جديدًا، فإنه يظهر للبشريّة بصورةٍ جديدة تمامًا ومن زاويةٍ جديدة تمامًا وبطريقةٍ جديدة تمامًا بحيث يمكن للناس رؤية جوانب مختلفة من شخصيّته وما لديه ومَنْ هو. وهذا أحد أهدافه في عمله الجديد. لا يتمسّك الله بالقديم أو يسلك الطريق المعتاد؛ عندما يعمل ويتحدّث لا يتعلّق الأمر بالحظر كما يتصوّر الناس. فعند الله الجميع أحرارٌ وطلقاء ولا يوجد حظرٌ ولا قيود – فهو لا يجلب للبشريّة سوى الحريّة والتحرّر. إنه إلهٌ حيّ وإلهٌ موجودٌ حقًّا. إنه ليس دمية أو تمثالاً من صلصالٍ، وهو مختلفٌ تمامًا عن الأوثان التي يُقدّسها الناس ويعبدونها. إنه حيٌّ ونابض بالحياة، كما أن كلماته وعمله يُقدّم للناس الحياة والنور والحريّة والتحرّر، لأنه الطريق والحقّ والحياة. إنه غير مُقيّدٍ بأيّ شيءٍ في أيٍ من أعماله. وبغضّ النظر عمّا يقوله الناس وبغضّ النظر عن كيفيّة رؤيتهم أو تقييمهم لعمله الجديد، فسوف يؤدّي عمله دون ندم. ... بغضّ النظر عن أيّة مرحلةٍ جديدة من عمله يُؤدّيها، فسيتم بالتأكيد تطويرها وتوسيعها بين البشر، وإتمامها دون عوائق في سائر أرجاء الكون بأكمله لحين إتمام عمله العظيم. هذه هي قدرة الله وحكمته وسلطانه وقوّته. وهكذا، استطاع الرّبّ يسوع أن يخرج علنًا ويعمل في السبت لأنه لم تكن في قلبه قواعد، ولم تكن توجد معرفةٌ أو عقيدة نبعت من البشر. ولم يكن ما عمله سوى عمل الله الجديد وطريقته الجديدة، وكان عمله هو الطريق لتحرير البشريّة وإطلاق سراحها والسماح لها بالعيش في النور والسماح لها بالحياة. ... الله عنده مبادئ في كلماته وعمله، ولكن ليس عنده حظر، لأن الله نفسه هو الطريق والحقّ والحياة" ("عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ج)"). من هذه الفقرة، فهمت أن عمل الله بلا قواعد ولا يعاني أي قيود. بعد أن تحقِق مرحلة من عمل الله نتائج مع الإنسان، يبدأ الله بعد ذلك عملًا جديدًا ويعطي الإنسان طرقًا جديدة أعمق للممارسة، لأنه بهذه الطريقة فقط يستطيع الله أن ينقذ الإنسان من تأثير الشيطان، في خطوة واحدة كل مرة. عندما يبدأ الله عملًا جديدًا فلا يظل الروح القدس محافظًا على العمل القديم، وإذا استمر الناس في التمسك بعمل الله السابق، وإذا ظلوا يحفظون متطلبات الله السابقة للإنسان وغير مستعدين لقبول عمل الله الجديد، فهم بذلك يتشبثون بالقواعد. من خلال التشبث بهذه القواعد، فلا يمكن للناس فحسب ألا يربحوا الحياة وأن يكون لديهم طريقًا للمضي قدمًا، بل على العكس من ذلك، ستصبح القواعد قيودًا في إيمانهم بالله وستبقيهم مقيدين بإحكام، حتى لا يختبروا الحرية ولا العِتق. يريد الله أن يحرر الإنسان من قيود القواعد، وفقط من خلال قبول عمل الله الجديد، يمكن للناس أن يطرحوا قيود وأغلال هذه القواعد، وينالوا الحرية والعِتق ويحصلوا على طريق للمضي قدمًا. بهذه الطريقة فقط يمكن أن يعيش الناس بسعادة على الأرض ويمتلئوا بالنور. من خلال عدم الحفاظ على السبت، كان الرب يسوع يخبر الناس في ذلك الوقت أن عمل الله الجديد قد بدأ، وأن الله قد أنهى عصر الناموس، وأن الله كان يؤدي مرحلة جديدة وأعلى من العمل على أساس المرحلة السابقة، وأن الإنسان لم يعد بحاجة لأن يحفظ السبت. في الواقع، لم تكن هذه سوى بداية إطلاق الله لعصر جديد، وفقط من خلال مواكبة وتيرة عمل الله في العصر الجديد وطرح أغلال القواعد السابقة، يمكنهم نوال خلاص الله. من أعمال الرب يسوع هذه رأيت أنه– بغض النظر عن الطريقة التي يستخدمها الله لأداء عمله– يعمل الله دائمًا وفقًا لمبادئه الخاصة، وعمل الله جديد تمامًا ولم يسبق له مثيل. كلما بدأ الله عملًا جديدًا ينتهي عمله القديم، والله يفصل نفسه تمامًا عن جميع قواعد وشرائع العصر القديم التي مضت. ثم يظهر الله للإنسان في هيئة جديدة تمامًا، ويعمل بين البشر بطريقة جديدة. على سبيل المثال: لا يمكن لله فحسب أن يظهر للإنسان عبر البرق والرعد من السموات، لكن يمكنه أيضًا أن يصير جسدًا ليؤدي عمله عمليًا بين البشر ويُصلب ليفدي جنس البشر. ليس فقط بإمكانه إعلان شريعته ووصاياه ليقود الإنسان في حياته على الأرض، ولكن يمكنه أن يصير جسدًا ويُصلب ليفدي الإنسان من الخطيّة. لا شيء محظور بالنسبة لعمل الله، ناهيك عن أن يكون مقيدًا أو متأثرًا بأي شخص أو حدث أو شيء. يتم عمل الله بالكامل وفقًا لخطته وأيضًا وفقًا لاحتياجات البشرية، وفي النهاية يتم القيام به للسماح للإنسان أن يعيش معتوقًا وحرًا أمام الله، ولنا لكي ننال خلاص الله.
بعد أن توصلت لهذا الفهم هرعت لمراجعة العهد الجديد، ورأيت أنه منذ البداية الأولى لتبشيره بإنجيل ملكوت السموات، والرب يسوع دمَّر الشريعة القديمة، تمامًا كما قال: "تُوبُوا لِأَنَّهُ قَدِ ٱقْتَرَبَ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ" (متَّى 4: 17). "لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلسَّامِعُونَ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ، أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ" (لُوقا 6: 27). من هذه الآيات يمكننا رؤية أن كل شيء علَّمه الرب يسوع للناس كان أبعد من العهد القديم، ولم يحثهم فيما بعد على حفظ قواعد الشريعة. عوضًا عن ذلك، قادهم بعيدًا عن الشريعة إلى طريق جديد لعمل الروح القدس، وهكذا أراهم طريقًا جديدًا للممارسة. بينما أتى جميع من آمنوا بالرب وقبِلوا خلاصه للاعتراف والتوبة أمامه، بعدها غُفرت خطاياهم، ولم يعودوا خاضعين للموت من أجل خطاياهم، وتركوا نهائيًا رباطات وأغلال الشريعة وراءهم. لأنهم قبلوا العمل الجديد الذي قدمه الرب فقد حصلوا على عمل الروح القدس وعاشوا أمام الرب في حرية تامة وعِتق. رئيس الكهنة والكَتَبة والفريسيّون الذين خدموا الله يهوه الله في الهيكل لعدة أجيال، على الرغم من أنهم رأوا أن الأعمال والمعجزات التي قام بها الرب يسوع لم يكن بإمكان أي إنسان القيام بها، إلا أنهم لم يسعوا أو يتحققوا منها بأقل قَدْرٍ، ولكن بدلًا من ذلك اتكلوا على مفاهيمهم وتخيلاتهم الخاصة، وكذلك على المعرفة التوراتية والنظريات الروحية والقواعد العقائدية التي تسلَّحوا بها، ليدينوا الرب يسوع بأنه لا يحفظ السبت باعتباره ينتهك الشريعة. كما استغلوا حقيقة أن عظات الرب يسوع تجاوزت حدود الشريعة لتشويهه وإدانته وتلفيق الشائعات عنه، وحتى للتواطؤ مع السلطات الرومانية لصلب الرب يسوع على الصليب. وهكذا، ارتكبوا خطية حقيرة، وفاقموا من أعمال الله، وأدت أعمالهم إلى معاناة الشعب اليهودي بأسره ألم الإذلال الوطني غير المسبوق. من هذا تبينت أن شخص الله قدوس وبار ولا يحمل أي إثم. جميع القادرين على اقتناء مخافة الله في قلوبهم يمكنهم السعي والتحقق والقبول والطاعة، وعندما يواجهون عمل الله الجديد يكونوا قادرين على نوال إرشاد الله وبرَكته، أما هؤلاء الذين يتشبثون بإصرار بمفاهيمهم الخاصة وتخيلاتهم أولئك الذين يتمسكون بإصرار بمفاهيمهم وخيالهم إلى الحد الذي يستخدمون فيه حتى عمل الله السابق ويتشبثون بالقواعد لمقاومة عمل الله الجديد، ومع ذلك، سيجمعهم الله جميعًا ويطرحهم، وفي النهاية سينهون حياتهم بالعقاب والتدمير من الله.
حقيقة أن الرب يسوع لم يحفظ السبت سمحت لي أن أرى بوضوح أن عمل الله لا يتقيد بالطرق القديمة، وأنه دائمًا ما يؤدي أعمالًا أحدث وأعلى وفقًا لخطته ولاحتياجات البشرية. علاوة على ذلك، كلما كان عمل الله يتعارض مع مفاهيمنا، كلما كان هناك حق أكثر لنسعى إليه. لذلك، بغض النظر عن كيفية عمل الله، ككائنات مخلوقة ضئيلة وغير مؤثرة، يجب ألا نحكم على الله أو نحدّه على أساس أفكارنا ومعرفتنا ونظرياتنا ومفاهيمنا الشخصية، لئلا ننتهي في النهاية إلى كوننا الطرف الخاسر. تفوق حكمة الله السموات، وعمل الله يفوق تصوراتنا، ويمكن لروح الله أن يسافر بين كل الأشياء في السماء وعلى الأرض، ويمكن أن يأتي بيننا في ثوب جسدي لينطق كلامه ويرشدنا. في كل مرحلة من مراحل عمل الله، وكل كلمة يتكلم بها تفيض بمشيئة الله ورعايته المضنية وفكره، وكل ما هناك هو فقط من أجل خلاصنا. ما يجب أن نفعله هو التخلي عن مفاهيمنا وتخيلاتنا، وأن نحاول عمليًا فهم عمل الله الجديد والسعي وراءه والتحري عنه، وليس التكهن به وسوء فهمه، ناهيك عن الحكم عليه أو إدانته. شكرًا لله على هذه الاستنارة!
انقر فوق صفحة معرفة المسيح الخاصة بنا وقراءة المزيد من المقالات لمعرفة المزيد عن المسيح.