دفعت الهويّة الخاصة للشيطان الكثير من الناس لإظهار اهتمامٍ قويّ بإظهاراتها للعديد من الجوانب. هناك حتّى الكثير من الناس الحمقى الذين يعتقدون أن الشيطان، مثل الله، يملك السلطان لأن الشيطان قادرٌ على إظهار المعجزات وقادرٌ على عمل أشياء مستحيلة على البشر. وهكذا، بالإضافة إلى عبادة الله، يحتفظ الإنسان أيضًا بمكانٍ للشيطان في قلبه، كما أنه حتّى يعبد الشيطان باعتبار أنه الله. هؤلاء الناس يبعثون على الرثاء والمقت على حدٍّ سواء. إنهم يبعثون على الرثاء بسبب جهلهم ويبعثون على المقت بسبب بدعتهم وجوهر الشرّ المتأصّل فيهم. في هذه المرحلة، أشعر أنه من الضروريّ أن أُخبِركم بمعنى السلطان وما يرمز إليه وما يُمثّله. بشكلٍ عام، الله نفسه سلطان، وسلطانه يرمز إلى تفوّق الله وجوهره، وسلطان الله نفسه يُمثّل مكانة الله وهويّته. في هذه الحالة، هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه هو نفسه الله؟ هل يجرؤ الشيطان على القول بأنه خلق جميع الأشياء ويملك السيادة على جميع الأشياء؟ بالطبع لا يجرؤ! لأنه غير قادرٍ على خلق جميع الأشياء؛ فحتّى الآن، لم يصنع أيّ شيءٍ قط صنعه الله، ولم يخلق قط أيّ شيءٍ له حياةٌ. ولأنه لا يملك سلطان الله، فمن المحتمل ألّا يملك أبدًا مكانة الله وهويّته، وهذا ما يُحدّده جوهره. هل له قوّة الله نفسها؟ بالطبع لا! ماذا نُسمّي أفعال الشيطان، والمعجزات التي أظهرها الشيطان؟ هل نُسمّيها القوّة؟ هل يمكن أن نُسمّيها السلطان؟ بالطبع لا! الشيطان يُوجّه تيار الشرّ، كما أنه يُبطِل كلّ جانبٍ من جوانب عمل الله ويُضعِفه ويُعطّله. على مدى عدّة آلافٍ من السنين الماضية، وبصرف النظر عن إفساد الشيطان وإساءته للإنسان وإغرائه وإغوائه الإنسان بالفساد وبرفض الله حتّى يسير الإنسان نحو وادي ظلّ الموت، هل فعل الشيطان أيّ شيءٍ يستحقّ حتّى أدنى احتفاءٍ أو ثناءٍ أو تقديرٍ من الإنسان؟ لو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستفسد به؟ ولو امتلك الشيطان السلطان والقوّة، فهل كانت البشريّة ستتضرّر به؟ ولو امتلك الشيطان القوّة والسلطان، فهل كانت البشريّة ستترك الله وتتحوّل إلى الموت؟ بما أن الشيطان لا يملك السلطان أو القوّة، ما الذي يجب أن نستنتجه حول جوهر كلّ ما يفعله؟ هناك من يعرّف كلّ ما يفعله الشيطان على أنه مُجرّد خداعٍ، لكنني أعتقد أن هذا التعريف ليس مناسبًا تمامًا. هل الأفعال الشريرة لإفساده البشريّة مُجرّد خداعٍ؟ إن القوّة الشريرة التي آذى بها الشيطان أيُّوب ورغبته الشديدة في إيذائه وابتلاعه لم يكن من الممكن أن تتحقّقا بمُجرّد الخداع. عندما ننظر إلى المشهد نجد أنه في لحظاتٍ اختفت قطعان أيُّوب وماشيته التي كانت ترعى في كلّ مكانٍ عبر التلال والجبال؛ وفي لحظاتٍ اختفت ثروة أيُّوب الهائلة. هل كان من الممكن أن يتحقّق ذلك بمُجرّد الخداع؟ إن طبيعة كلّ ما يعمله الشيطان تتوافق وتنسجم مع المصطلحات السلبيّة مثل الإضعاف والتعطيل والإهلاك والإيذاء والشرّ والخبث والظلمة، وبالتالي فإن حدوث كلّ ما هو آثم وشرير يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأفعال الشيطان، ولا يمكن فصله عن الجوهر الشرير للشيطان. بغضّ النظر عن مدى "قوّة" الشيطان، وبغضّ النظر عن مدى جرأته وتطلّعه، وبغضّ النظر عن مدى قدرته على إلحاق الضرر، وبغضّ النظر عن مدى اتّساع نطاق طرقه التي يُفسِد بها الإنسان ويغويه، وبغضّ النظر عن مدى مهارة الحيل والأفكار التي يُرهِب بها الإنسان، وبغضّ النظر عن مدى قابليّة هيئته التي يوجد عليها للتغيّر، إلّا أنه لم يقدر قط على خلق شيءٍ حيّ واحد، ولم يقدر قط على وضع قوانين أو قواعد لوجود جميع الأشياء، ولم يقدر قط على حكم ومراقبة أيّ كائنٍ، سواء كان مُتحرّكًا أو غير مُتحرّكِ. على اتّساع الكون لا يوجد شخصٌ أو كائن واحد وُلِدَ منه أو يوجد بسببه؛ ولا يوجد شخصٌ أو كائن واحد يخضع لحكمه أو سيطرته. وعلى العكس، فإنه لا يتوجّب عليه أن يعيش في ظلّ سلطان الله وحسب، ولكن، علاوة على ذلك، يتعيّن عليه أن يطيع جميع أوامر الله وفروضه. فبدون إذن الله، من الصعب على الشيطان أن يلمس حتّى قطرة ماءٍ أو حبّة رملٍ على الأرض؛ وبدون إذن الله، لا يملك الشيطان حتّى حريّة تحريك نملةٍ على الأرض – ناهيك عن تحريك الجنس البشريّ الذي خلقه الله. يرى الله أن الشيطان أدنى من الزنابق على الجبل ومن الطيور التي تُحلّق في الهواء ومن الأسماك في البحر ومن الديدان على الأرض. يتمثّل دوره من بين جميع الأشياء في خدمة جميع الأشياء والعمل من أجل البشريّة وخدمة عمل الله وخطة تدبيره. وبغضّ النظر عن مدى خبث طبيعته وشرّ جوهره، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنه عمله هو التقيّد الصارم بوظيفته: كونه خادمًا لله ونقطة تعارض لله. هذا هو جوهر الشيطان ووضعه. إن جوهره غير مرتبطٍ بالحياة غير مرتبط بالقوة وغير مرتبطٍ بالسلطان؛ إنه مُجرّد لعبةٍ في يد الله، مُجرّد آلةٍ في خدمة الله!
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (أ)