يُظهِر الله أعماله بين جميع الأشياء وبين كافة الأشياء التي يحكمها ويملك نواميس كُلّ الأشياء. تحدَّثنا للتوّ عن الكيفيَّة التي يحكم بها الله نواميس جميع الأشياء، وكذلك الكيفيَّة التي يرعى بها البشريَّة كُلَّها ويعولها في إطار تلك النواميس. هذا جانبٌ. سوف نتحدَّث فيما يلي عن جانبٍ آخر، وهو أحد الطُرق التي يتحكَّم بها الله في كُلّ شيءٍ. وهكذا، بعدما خلق جميع الأشياء، وازن العلاقات بينها. هذا أيضًا موضوعٌ كبير بالنسبة لكم. موازنة العلاقات بين جميع الأشياء – هل هذا شيءٌ يمكن أن يُحقِّقه الناس؟ لا يمكن أن يُحقِّقه البشر بأنفسهم. فالناس ليس بوسعهم سوى الهدم. لا يمكنهم موازنة العلاقات بين جميع الأشياء؛ لا يمكنهم تدبيرها ولا يملكون مثل ذلك السلطان العظيم أو القوَّة. أمَّا الله وحده فيملك نوع القوَّة اللازم لعمل هذا النوع من الأشياء. وما غرض الله من عمل هذا النوع من الأشياء؟ نفس الشيء، إنَّه يرتبط ارتباطًا وثيقًا ببقاء البشريَّة. كُلّ شيءٍ يريد الله عمله هو أمرٌ ضروريّ – لا يوجد ما قد يفعله أو لا يفعله. ومن أجل أن يحافظ على بقاء البشر ومنح الناس بيئة مواتية للبقاء، توجد بعض الأشياء التي لا يمكن الاستغناء عنها وبعض الأشياء المُهمَّة التي يجب أن يعملها لحماية بقائهم.
يبدو من المعنى الحرفيّ لعبارة "الله يوازن بين جميع الأشياء" أنَّه موضوعٌ واسع جدًّا؛ فهو ٍيُقدِّم لك أوَّلًا مفهومًا حتَّى تعرف أن تحقيق التوازن بين جميع الأشياء هو إتقان الله لجميع الأشياء. ماذا تعني كلمة "التوازن" إذًا؟ أوَّلًا، تشير كلمة "التوازن" إلى عدم السماح بشيءٍ بأن يكون غير متزنٍ. إن الأمر يشبه استخدام الميزان لوزن الأشياء. من أجل موازنة كفتي الميزان، ينبغي أن يوضع في الجانبين نفس الوزن. خلق الله أشياءً كثيرة بين جميع الأشياء – خلق أشياءً ثابتة، وأشياءً تتحرَّك، وأشياءً تعيش، وأشياءً تتنفَّس، وكذلك أشياءً لا تتنفَّس. هل يسهل على جميع هذه الأشياء تحقيق علاقة اتّكالٍ على بعضها البعض وعلاقة دعمٍ متبادل وضبط وعلاقة ترابطٍ فيما بينها؟ يوجد بالتأكيد مبدأٌ في هذا كُلّه. إنه أمر مُعقَّدٌ للغاية، أليس كذلك؟ إنه ليس عسيرًا على الله، لكنه معقد جدًا ويصعب على الناس بحثه. إنَّها كلمةٌ بسيطة جدَّا – التوازن. ومع ذلك، إذا بحثها الناس، إذا أراد الناس تحقيق التوازن، فحتَّى إذا كان أولئك الأكاديميّون يعملون جميعًا لتحقيق ذلك – علماء الأحياء البشريَّة والفلكيّون والفيزيائيّون والكيميائيّون وحتَّى المُؤرِّخون – فماذا ستكون النتيجة النهائيَّة لذلك البحث؟ سوف تكون نتيجته لا شيء. يرجع السبب في هذا إلى أنَّ خلق الله لجميع الأشياء هو أمرٌ لا يُصدَّق مُطلقًا ولن يكشف البشر أسراره أبدًا. عندما خلق الله جميع الكائنات أسَّس بينها مبادئ وأسَّس طُرقًا مختلفة للبقاء من أجل الضبط المتبادل والتكامل والإعالة. هذه الطُرق المُتنوِّعة مُعقَّدةٌ للغاية؛ إنَّها ليست بسيطة أو أحاديَّة الاتّجاه. عندما يستخدم الناس عقولهم، فإن من الصعب اكتشاف المعرفة التي اكتسبوها والظواهر التي رصدوها لتأكيد المبادئ الكامنة وراء تحكُّم الله بجميع الأشياء أو البحث في هذه المبادئ، وأيضاً من الصعب جدًّا تحقيق أيَّة نتيجةٍ. إنه من الصعب حقًا على الناس الحصول على أية نتائج، ومن الصعب جدًّا عليهم الحفاظ على توازنهم عند التحكم بجميع الأشياء التي خلقها الله من خلال الاعتماد على تفكيرهم ومعرفتهم البشريين. ويرجع السبب في هذا إلى أنَّه إذا كان الناس لا يعرفون مبادئ بقاء جميع الكائنات فإنَّهم لن يعرفوا كيفيَّة الحفاظ على هذا النوع من التوازن. ولذلك، إذا كان يتعيَّن على الناس تدبير جميع الكائنات وحُكمها، فسوف يكون من المحتمل جدًّا أن يهدموا هذا التوازن. وبمُجرَّد هدمه سوف تُهدَم بيئتهم اللازمة للبقاء، وعندما يحدث ذلك، سوف تتبعه أزمةٌ تُهدِّد بقائهم. سوف يُؤدِّي هذا إلى كارثةٍ. وعندما يعيش البشر في خضَّم كارثةٍ، ماذا يا ترى سيقع أمامهم؟ ستكون نتيجةٌ يصعب تخمينها ويصعب التنبّؤ بها.
كيف يوازن الله العلاقات بين جميع الأشياء إذًا؟ أوَّلًا، توجد بعض الأماكن في العالم يُغطِّيها الجليد والثلج على مدار العام، بينما في بعض الأماكن تكون الفصول الأربعة كُلّها مثل الربيع. لن ترى مطلقًا أيَّة بقعةٍ من الثلج أو ندفة جليدٍ – فلا يوجد فصل الشتاء. هذه هي إحدى الطرق – من منظور المناخ الأوسع. النوع الثاني هو سلسلة من الجبال مغطاة بنباتاتٍ مورقة، حيث تُغطِّي جميع أنواع النباتات الأرض؛ توجد مساحاتٌ من الغابات، وعندما تمشي بينها لا يمكنك حتَّى رؤية الشمس. وفي جبالٍ أخرى لا ينمو العشب حتَّى – توجد طبقةٌ فوق طبقةٍ من الجبال البريَّة الجرداء. بالنظر من الخارج، فإن كلا النوعين جبالٌ بها أوساخٌ مُكدَّسة. إحدى مجموعات الجبال مليئةٌ بنباتاتٍ مورقة والمجموعة الأخرى خاليةٌ حتَّى من العشب. هذا هو النوع الثاني. في النوع الثالث، قد ترى مراعٍ لا نهاية لها، حقلًا يكسوه اللون الأخضر المتموِّج. أو قد ترى صحراءً على مرمى البصر؛ ولا ترى أيّ كائنٍ حيّ، ناهيك عن عدم وجود أيّ مصدرٍ للمياه، بل مُجرَّد صفير الرياح على طول الرمال. في النوع الرابع، يُغطَّى مكانٌ واحد بالبحر، الذي يتكوَّن من مساحاتٍ شاسعة من المياه، بينما تجد في مكانٍ آخر صعوبةً في العثور على أيّ ينبوع مياهٍ. في النوع الخامس، تتساقط الأمطار الخفيفة في إحدى الأراضي بصورة مُتكرِّرة ويكون الجو ضبابيَّا ورطبًا، بينما في أرضٍ أخرى تكون معظم الأيَّام شديدة الحرارة نهارًا ولن ترىَ قطرةً واحدة من المطر. في النوع السادس، توجد في أحد الأماكن هضبةٌ يكون فيها الهواء رقيقًا بحيث يصعب على الإنسان التنفُّس، وفي مكانٍ آخر توجد مستنقعاتٌ أراضٍ منخفضة تُشكِّل بيئات لأنواعٍ مُتنوِّعة من الطيور المهاجرة. هذه أنواعٌ مختلفة من المناخات، أو المناخات أو البيئات التي تتوافق مع البيئات الجغرافيَّة المختلفة. هذا يعني أن الله يوازن بين بيئات البشر الأساسيَّة للبقاء من جوانب البيئة الأوسع، من المناخ إلى البيئة الجغرافيَّة، من المُكوِّنات المختلفة للتربة إلى كميَّة مصادر المياه لتحقيق توازن في الهواء ودرجة الحرارة ونسبة رطوبة للبيئات التي يعيش فيها الناس. مع هذه التناقضات فيما بين البيئات الجغرافيَّة المختلفة، سوف ينعم الناس بهواءٍ مُستقرّ وسوف تكون درجة الحرارة والرطوبة مستقرّة في المواسم المختلفة. يسمح هذا للناس بالاستمرار في العيش في ذلك النوع من البيئة للبقاء كما هو الحال دائمًا. أوَّلًا، لا بُدَّ أن تكون البيئة الأكبر متوازنةً. يجري هذا من خلال الاستفادة من المواقع والتكوينات الجغرافيَّة المختلفة وكذلك التحوّلات بين المناخات المختلفة من أجل الضبط المتبادل لتحقيق التوازن الذي يريده الله وتتطلَّبه البشريَّة. هذا من منظور البيئة الأوسع.
بالنظر إلى التفاصيل، مثل الغطاء النباتيّ، كيف يمكن لذلك أن يحقّق التوازن؟ أي كيف يمكن السماح للغطاء النباتيّ بالاستمرار في البقاء ضمن بيئةٍ متوازنة للبقاء؟ يكون هذا من خلال تدبير أعمار مختلف أنواع النباتات ومُعدَّلات نموَّها ومُعدَّلات تكاثرها لحماية بيئة بقائها. مثال ذلك العشب الصغير – توجد براعم الربيع وأزهار الصيف وثمر الخريف. يسقط الثمر على الأرض. في العام التالي، تنبت البذرة من الثمر وتستمرّ وفقًا للنواميس نفسها. عمر العشب قصيرٌ جدًّا. تسقط كُلّ بذرةٍ على الأرض وتُنبِت جذورًا وبراعم وإزهارات وتُنتِج ثمرًا – تحدث هذه العمليَّة فقط خلال الربيع والصيف والخريف. وجميع أنواع الأشجار لها أعمارها الخاصَّة وفتراتها المختلفة لنموَّها وإثمارها. تموت بعض الأشجار بعد 30 إلى 50 عامًا فقط – أي تتراوح أعمارها بين 30 إلى 50 عامًا، ولكن ثمارها تسقط على الأرض وبعدها تُنبِت جذورًا وبراعم، ثم تُزهِر وتحمل ثمارًا، وتعيش لمدَّة 30 إلى 50 عامًا أخرى. هذا مُعدَّل تكرارها. تموت شجرةٌ قديمة وتنمو شجرةٌ حديثة – ولهذا السبب ترى دائمًا الأشجار تنمو في الغابة. ولكنها تخضع أيضًا لدورةٌ وعمليات طبيعية من الميلاد والموت. يمكن أن تعيش بعض الأشجار لأكثر من ألف سنةٍ، ويمكن أن تعيش بعضها حتَّى لمدَّة ثلاثة آلاف سنةٍ. بغضّ النظر عن نوع نباتها أو طول مدَّة عمرها، يُدبِّر الله بصفةٍ عامَّة توازنها على أساس مدَّة حياتها وقدرتها على التكاثر وسرعة تكاثرها ومقدار التكاثر ومُعدَّله. يتيح لها هذا، من العشب إلى الأشجار، أن تكون قادرةً على الاستمرار في النماء وفي النموّ داخل بيئة إيكولوجيَّة متوازنة. ولذلك عندما تنظر إلى غابةٍ على الأرض، سواء كانت مُكوَّنة من الأشجار أو العشب، فإنَّها تتكاثر باستمرارٍ وتنمو وفقًا لنواميسها الخاصَّة. لا تحتاج إلى مساعدةٍ من البشر؛ ولا تحتاج إلى أيّ عملٍ إضافيّ من البشر. فبسبب أنَّها تتمتَّع بهذا النوع من التوازن فإنها لهذا السبب وحده تستطيع أن تحافظ على بيئتها الخاصَّة للبقاء. وبسبب أن لديها بيئةً مناسبة للبقاء يمكن لهذه الغابات وهذه المراعي أن تستمرّ في البقاء على الأرض. يُغذِّي وجودها جيلًا بعد جيلٍ من الناس وكذلك جيلًا بعد جيلٍ من جميع أنواع الكائنات الحيَّة ببيئاتٍ في الغابات والمراعي – الطيور والوحوش والحشرات وجميع أنواع الكائنات الحيَّة الدقيقة.
يتحكَّم الله أيضًا في توازن جميع أنواع الحيوانات. كيف يتحكم بهذا التوازن؟ الأمر مشابهٌ بالنباتات – إنه يُدبِّر توازنها ويُحدِّد أعدادها استنادًا إلى قدرتها على التكاثر ومقدارها ومُعدَّل التكاثر والأدوار التي تُؤدِّيها بين الحيوانات. مثال ذلك، الأسود تأكل الحمير الوحشيَّة، ولذلك إذا تجاوز عدد الأسود عدد الحمير الوحشيَّة، فماذا سيكون مصير الحمير الوحشيَّة؟ سوف تنقرض. وإذا كان مقدار تكاثر الحمير الوحشيَّة أقلّ بكثيرٍ من مقدار تكاثر الأسود، فماذا سيكون مصيرها؟ سوف تنقرض أيضًا. ولذلك، ينبغي أن يكون عدد الحمير الوحشيَّة أكبر بكثيرٍ من عدد الأسود. والسبب هو أن الحمير الوحشيَّة لا توجد فقط لأنفسها؛ إنها موجودةٌ أيضًا للأسود. يمكنك القول أيضًا إن كُلّ حمارٍ وحشيّ جزءٌ من الحمير الوحشيَّة، ولكنه أيضًا طعامٌ في فم أسدٍ. لا يمكن أن تتجاوز سرعة تكاثر الأسود سرعة تكاثر الحمير الوحشيَّة، ولذلك لا يمكن أن تكون أعدادها أكبر من أعداد الحمير الوحشيَّة. يمكن بهذه الطريقة فقط ضمان مصدر غذاء الأسود. وهكذا، على الرغم من أن الأسود أعداءٌ طبيعيَّة للحمير الوحشيَّة، يراها الناس مرارًا مستلقيةً في المنطقة نفسها. لن تنخفض أعداد الحمير الوحشيَّة أبدًا أو تنقرض لأن الأسود تصطادها وتأكلها، ولن تزيد أعداد الأسود أبدًا نظرًا لكون الأسد هو "الملك". هذا التوازن شيءٌ أسَّسه الله منذ زمنٍ بعيد. يعني هذا أن الله وضع نواميس التوازن بين جميع الحيوانات حتَّى يمكنها تحقيق التوازن، وهذا شيءٌ غالبًا ما يراه الناس. هل الأسود هي الأعداء الطبيعيَّة الوحيدة للحمير الوحشيَّة؟ لا، فالتماسيح أيضًا تأكل الحمير الوحشيَّة. تبدو الحمير الوحشيَّة نوعًا بائسًا حقَّا من الحيوانات. ليست لديها شراسة الأسود، وعندما تواجه أحدها، هذا العدو المنيع، لا يكون أمامها سوى الركض. لا يمكنها المقاومة حتَّى. وعندما لا يمكنها النجاة من الأسد فإنه لا يسعها سوى أن تسمح له بأن يأكلها. يمكن رؤية هذا في أحيانٍ كثيرة في عالم الحيوان. ما انطباعكم عندما ترون مثل هذا الشيء؟ هل تشعرون بالأسف على الحمار الوحشيّ؟ هل تمقتون الأسد؟ تبدو الحمير الوحشيَّة جميلةً جدًّا! ولكن الأسود تتطلَّع إليها دائمًا في شراهةٍ. لا تركض الحمير الوحشيَّة بعيدًا لغبائها. ترى الأسد ينتظرها هناك، ينتظرها مرارًا تحت ظلّ شجرةٍ. مَن يدري متى سيأكلها. إنها تعرف هذا يقينًا، ولكنها لا تزال غير راغبةٍ في ترك قطعة الأرض تلك. هذا شيءٌ رائع. ينطوي هذا الشيء الرائع على ما سبق الله فقرره، وعلى حُكمِه. تشعر بالأسف على ذلك الحمار الوحشيّ ولكنك لا تستطيع إنقاذه، وتشعر أنَّ الأسد كريهٌ ولكنك لا تستطيع التخلُّص منه. الحمار الوحشيّ هو الطعام الذي أعدَّه الله للأسد، ولكن بغضّ النظر عن الكيفيَّة التي تأكل الأسود بها الحمير الوحشيَّة، فإن الحمير الوحشيَّة لن تنتهي أبدًا. فعدد النسل الذي تنجبه الأسود صغيرٌ جدًّا، وهي تتكاثر ببطءٍ شديد، ولذلك مهما كان عدد الحمير الوحشيَّة التي تأكلها، فلن تكون أعدادها أكبر من أعداد الحمير الوحشيَّة. هذا نوعٌ من التوازن.
ما هو هدف الله في الحفاظ على هذا النوع من التوازن؟ يتعلَّق هذا ببيئات الناس من أجل البقاء وبقاء البشر. إذا كانت الحمير الوحشيَّة، أو أيَّة فريسةٍ مماثلة للأسد – مثل الغزلان أو حيوانات أخرى – تتكاثر ببطءٍ شديد ويزداد عدد الأسود زيادةً حادة، فما نوع الخطر الذي سيواجهه البشر؟ إن التهام الأسود لفرائسها هو ظاهرة طبيعية، لكن التهام أسد لإنسان هو مأساة. وهذه المأساة ليست شيئًا سبق الله فقرره، ولا توجد في سياق حُكمه، ناهيك عن أنَّها ليست ما أحضره للبشر. ولكنها بالأحرى ما جلبه الناس على أنفسهم. وهكذا، مثلما يراه الله، فإن التوازن بين جميع الأشياء أمرٌ ضروري لبقاء البشر. سواء كانت نباتات أو حيوانات، لا يمكنها أن تفقد توازنها الصحيح. أعدَّ الله للبشر من خلال النباتات والحيوانات والجبال والبحيرات بيئةً إيكولوجيَّة طبيعيَّة. ولا يضمن البشر بقاءهم إلَّا عندما يكون لديهم هذا النوع من البيئة الإيكولوجيَّة – أي بيئة متوازنة. إذا كانت الأشجار أو الحشائش لها قدرةٌ ضعيفة على التكاثر أو كانت سرعة تكاثرها بطيئة جدَّا، فهل ستفقد التربة رطوبتها؟ وإذا فقدت التربة رطوبتها، فهل ستظلّ سليمة؟ إذا فقدت التربة غطائها النباتيّ ورطوبتها، فسوف تتآكل بسرعةٍ كبيرة، وسوف يحلّ الرمل محلّها. عندما تتدهور التربة سوف تتهدَّم أيضًا بيئة البشر من أجل البقاء. وسوف تصاحب هذا الهدم كوارث. بدون هذا النوع من التوازن البيئيّ، بدون هذا النوع من البيئة الإيكولوجيَّة، سوف يعاني الناس كثيرًا من الكوارث بسبب اختلالات التوازن هذه بين جميع الأشياء. مثال ذلك، عندما يوجد اختلال في التوازنٍ البيئيّ يؤدي إلى هدم البيئة الإيكولوجيَّة للضفادع، فإنها تجتمع جميعًا معًا وتزداد أعدادها زيادةً هائلة ويرى الناس حتَّى أعدادًا كبيرة من الضفادع تعبر الشوارع في المدن. إذا احتلَّت أعدادٌ كبيرة من الضفادع بيئة الناس من أجل البقاء، فماذا يُسمَّى ذلك؟ كارثةٌ. ولماذا يُسمَّى كارثةً؟ هذه الحيوانات الصغيرة المفيدة للبشر نافعةٌ للأشخاص عندما تبقى في مكانٍ مناسب لها؛ إنَّها تحافظ على توازن بيئة الناس من أجل البقاء. ولكن بمُجرَّد أن تصبح كارثةً، سوف تُؤثِّر على ترتيب حياة الناس. جميع الأشياء وجميع العناصر التي تجلبها الضفادع معها يمكن أن تُؤثِّر على نوعيَّة حياة الناس. وحتَّى أعضائهم الجسديَّة يمكن مهاجمتها – وهذا أحد أنواع الكوارث. يوجد نوعٌ آخر من الكوارث، وهو شيءٌ قد اختبره البشر مرارًا – وهو ظهور أعداد هائلة من الجراد. أليست هذه كارثة؟ هذه كارثةٌ مخيفة. لا يهمّ مدى قدرة البشر – فالناس يمكنهم صناعة الطائرات والمدافع والقنابل الذريَّة – ولكن عندما يعتدي الجراد على البشر، ما الحلّ الذي لديهم؟ هل يمكنهم استخدام المدافع ضدّها؟ هل يمكنهم قتلها بالمدافع الرشَّاشة؟ لا يمكنهم. هل يمكنهم رشّ مبيدات لإخراجها؟ هذا ليس سهلًا أيضًا. ما العمل الذي جاء لأجله ذلك الجراد الصغير؟ إنَّه على وجه التحديد يأكل المحاصيل والحبوب. أينما ذهب الجراد يُقضى على المحاصيل بالكامل. ولذلك، في غزو الجراد، وفي غمضة عينٍ، يمكنه أن يستهلك بالكامل محصول عام من الطعام الذي يعتمد عليه المزارعون. بالنسبة للبشر، لا يكون وصول الجراد مصدرًا للتوتّر فحسب، بل إنه كارثةٌ. إن ظهور عدد كبير من الجراد هو نوعٌ من الكوارث، فماذا عن الفئران؟ إذا لم توجد أيَّة طيورٍ جارحة لتأكل الفئران، فإنها سوف تتكاثر بسرعةٍ كبيرة، أسرع ممَّا تتخيَّل. وإذا انتشرت الفئران دون مراقبةٍ، فهل يستطيع البشر أن يعيشوا حياةً هانئة؟ ما الذي سيواجهه البشر إذًا؟ (الطاعون). الطاعون فقط؟ سوف تقرض الفئران أيّ شيءٍ. سوف تنخر حتَّى الخشب. إذا وُجِدَ فأران في منزلٍ واحد، فسوف ينزعج كُلّ فردٍ في المنزل. أحيانًا تسرق الفئران الزيت وتأكله وأحيانًا تأكل الحبوب. والأشياء التي لا تأكلها تكتفي بقرضها وتحوِّلها إلى فوضى عارمة. إنها تقرض الملابس والأحذية والأثاث – تقرض كُلّ شيءٍ. تتسلَّق أحيانًا صاعدة إلى الخزانة، فهل يمكن استخدام تلك الأطباق فيما بعد؟ حتَّى إذا عقَّمتها فلن تشعر بالارتياح، ولذلك عليك رميها فحسب. هذه هي المشكلة التي تجلبها الفئران على الناس. إنها مُجرَّد فئرانٍ صغيرة جدًا، لكن الناس ليست لديهم أيَّة طريقةٍ للتعامل معها. إنهم يتعرَّضون حتَّى لاستبدادها. لا حاجةٌ حتَّى للتحدُّث عن مجموعةٍ كاملة من الفئران – فزوجٌ من الفئران يكفيان لإحداث خللٍ. وإذا أصبح الأمر كارثةً، فإن العواقب لا يُصدِّقها عقلٌ. وإذا أصبح النمل الصغير جدًّا كارثةً، فإن الضرر الذي قد يلحقه بالبشر لا يمكن أيضًا تجاهله. يمكن أن يتسبب النمل في ضرر بالغ للمنازل التي تتهاوى ساقطة. لا يجب التغاضي عن قوته. هل سيكون أمرًا مخيفًا إذا تسبَّبت أنواعٌ مختلفة من الطيور في كارثةٍ؟ (نعم). أي أنَّه بغضّ النظر عن ماهية أنواع الحيوانات أو الكائنات الحيَّة، بمُجرَّد أن تفقد توازنها فإنها سوف تنمو وتتكاثر وتعيش في نطاقٍ غير طبيعيّ، أي نطاقٍ غير منتظمٍ. سوف يُؤدِّي ذلك إلى عواقب لا يمكن تخيّلها بالنسبة إلى البشرية. لن يُؤثِّر ذلك على بقاء الناس وحياتهم فحسب، بل سيُؤدِّي أيضًا إلى كارثةٍ للبشر، حتَّى لدرجة معاناة الناس من الإبادة الكاملة ومعاناتهم من مصير الانقراض.
عندما خلق الله جميع الأشياء، استخدم جميع أنواع الوسائل والطُرق لتحقيق التوازن بينها، وتحقيق التوازن للظروف المعيشيَّة للجبال والبحيرات، وتحقيق التوازن للظروف المعيشيَّة للنباتات وجميع أنواع الحيوانات والطيور والحشرات – كان هدفه السماح لجميع أنواع الكائنات الحيَّة بالعيش والتكاثر في سياق النواميس التي قرَّرها. لا يمكن لأي من الكائنات الخروج عن هذه النواميس ولا يمكن مخالفتها. لا يمكن للبشر البقاء والتكاثر بأمانٍ جيلًا بعد جيلٍ إلَّا ضمن هذا النوع من البيئة الأساسيَّة. إذا تخطَّى أيّ كائنٍ حيّ المقدار أو النطاق الذي حدَّده الله، أو إذا تجاوز مُعدَّل النموّ أو مداه أو عدده تحت حُكمه، فسوف تعاني بيئة البشر للبقاء من درجاتٍ متفاوتة من الدمار. وفي الوقت نفسه، سوف يكون بقاء البشر مُهدَّدًا. إذا وَصَل نوعٌ واحد من الكائنات الحيَّة إلى عددٍ أكبر من اللازم، فسوف يسرق من الناس طعامهم، ويدُمِّر مصادر المياه لدى الناس، ويُخرِّب أوطانهم. وبهذه الطريقة، سوف يتأثَّر تكاثر البشر أو وَضع بقائهم مُباشرةً. مثال ذلك، المياه مُهمّةٌ جدًّا لجميع الكائنات. إذا كان يوجد عددٌ هائل من الفئران أو النمل أو الجراد أو الضفادع أو جميع أنواع الحيوانات الأخرى، فسوف تشرب المزيد من المياه. ومع ازدياد كميَّة المياه التي تشربها، في حدود هذا النطاق الثابت لمصادر مياه الشرب والمناطق المائيَّة، سوف تنقص مياه الشرب ومصادر المياه عند الناس، وسوف يفتقرون إلى المياه. وإذا تدمَّرَت أو تلوَّثت أو انقطعت مياه الشرب الخاصَّة بالناس بسبب الزيادة في أعداد جميع أنواع الحيوانات، في ظلّ ذلك النوع من البيئة القاسية للبقاء، فسوف يتعرَّض بقاء البشر لتهديدٍ خطير. إذا تجاوز نوعٌ واحد أو عدَّة أنواعٍ من الكائنات الحيَّة عددها المناسب، فسوف يتعرَّض الهواء ودرجة الحرارة والرطوبة وحتَّى محتوى الهواء داخل مجال بقاء البشر للتسمُّم والخراب بدرجاتٍ متفاوتة. وبالمثل، في ظلّ هذه الظروف، سوف يظلّ بقاء البشر ومصيرهم عُرضةً لتهديد ذلك النوع من البيئة. ولذلك، إذا فَقَدَ الناس هذه التوازنات، فإن الهواء الذي يتنفَّسونه سوف يَفسد، والمياه التي يشربونها سوف تتلوَّث، ودرجات الحرارة التي يحتاجونها سوف تتغيَّر أيضًا، وسوف تتأثَّر بدرجاتٍ مختلفة. إذا حدث ذلك، فسوف تتعرَّض البيئات الأصليَّة لبقاء البشر لتأثيراتٍ وتحدّيات هائلة. وفي ظلّ هذا النوع من الظروف التي قد تدمَّرَت فيها البيئات الأساسيَّة لبقاء البشر، ماذا سيكون مصير البشر وآفاقهم؟ إنها مشكلةٌ خطيرة للغاية! وبما أن الله يعلم سبب وجود كل من الأشياء لأجل البشر، ودور كُلّ نوعٍ من الأشياء التي خلقها، ونوع تأثيره على الناس، ومقدار فائدته للبشر – توجد في قلب الله خُطَّةٌ لهذا كُلّه وهو يُدبِّر كُلّ جانبٍ من جميع الأشياء التي خلقها، ولهذا فإن كُلّ شيءٍ يفعله بالنسبة للبشر مُهمٌّ جدًّا – كُلّ شيءٍ ضروريّ. ولذلك عندما ترى بعض الظواهر البيئيَّة بين جميع الأشياء، أو بعض النواميس الطبيعيَّة بين جميع الأشياء، لن تكون مُتشكِّكًا فيما بعد بخصوص ضرورة كُلّ شيءٍ خلقه الله. لن تستخدم فيما بعد كلمات جاهلة لإصدار أحكامٍ تعسفيَّة على ترتيبات الله لجميع الأشياء وطُرقه المُتنوِّعة لرعاية البشر. ولن تتوصَّل أيضًا لاستنتاجاتٍ تعسفيَّة عن نواميس الله لجميع الأشياء التي خلقها. أليس هذا هو الحال؟
ما هذا كُلّه الذي تحدَّثنا عنه للتوّ؟ فكِّر في الأمر. الله له مقصده الخاصّ في كُلّ شيءٍ يفعله. بالرغم من أن البشر لا يمكنهم رؤية ذلك المقصد، فإنه مرتبطٌ دائمًا إلى حدٍّ كبير ببقاء البشر. إنه مرتبطٌ به ارتباطًا وثيقًا – ولا غنى عنه. يرجع السبب في ذلك إلى أن الله لم يفعل أيّ شيءٍ عديم الجدوى. فكُلّ شيءٍ يفعله تكون خُطَّته ضمن نظرياتَّه ومبادئه التي تتضمَّن حكمته. الهدف والمقصد وراء هذه الخُطَّة هو حماية البشر ومساعدتهم على تجنُّب الكارثة والتعدّي من أيّ كائنٍ حيّ وأيّ نوعٍ من الأذى للبشر من جميع الأشياء. من أفعال الله التي قد رأيناها من هذا الموضوع الذي نناقشه، هل يمكننا إذًا القول بأن الله يرعى البشر بطريقةٍ أخرى؟ هل يمكننا القول بأن الله يُطعِم البشر ويرعاهم بهذه الطريقة؟ (نعم). هل توجد علاقةٌ قويَّة بين هذا الموضوع وعنوان شركتنا "الله مصدر الحياة لجميع الأشياء؟" (نعم). توجد علاقةٌ قويَّة، وهذا الموضوع أحد جوانب ذلك. قبل التحدُّث عن هذه الموضوعات، لم يكن لدى الناس سوى تخيُّلٌ مُبهمٌ عن الله، الله ذاته وأفعاله – لم يكن لديهم فهمٌ حقيقيّ لهذه الأشياء. ومع ذلك، عندما يُخبَر الناس عن أفعاله والأشياء التي قد فعلها، يمكنهم أن يفهموا ويستوعبوا مبادئ ما يفعله الله ويمكنهم كسب فهم لها وجعلها في المتناول، أليس كذلك؟ على الرغم من أن الله يعرف في قلبه أن نظريَّاته ومبادئه وقواعده مُعقَّدةٌ جدًّا عندما يفعل أيّ شيءٍ، وعندما خلق جميع الأشياء، وعندما يحكم على جميع الأشياء، فإنه إذا اُختير شيءٌ واحد لمشاركته معكم في الشركة ألن تتمكَّنوا من أن تفهموا في قلوبكم أن هذه هي أعمال الله وأنها ملموسةٌ جدًّا؟ (بلى). كيف يختلف فهمك الحاليّ لله إذًا عن فهمك السابق؟ إنه مختلفٌ في جوهره. ما فهمته سابقًا كان خاويًا جدًّا وغامضًا جدًّا، وما تفهمه الآن يحتوي على قدرٍ هائل من الأدلَّة الملموسة التي تدعم أعمال الله وتقارن ما لدى الله ومَن هو الله. ولذلك فإن كُلّ ما قد قلته هو مادةٌ عظيمة لفهمكم عن الله.
من "الله ذاته، الفريد (ط)" في "الكلمة يظهر في الجسد"