والآن لعلّك ترى بوضوح الطريق الذي سلكه بطرس؛ ذلك لأنك إذا رأيت هذا بوضوح، فأنت بهذا قد حدّدت بالفعل العمل الذي يُعمَل اليوم، فلن تتذمر، ولن تكون سلبيًا، ولن تشتاق إلى أي شيء. ينبغي عليك أن تختبر مشاعر بطرس في ذلك الوقت: لقد اجتاحه الحزن، فأصبح غير مكترث بالمستقبل أو بأية بركات. لم يسع في طلب الربح أو السعادة أو الشهرة أو الثروة من هذا العالم؛ بل سعى فقط ليحيا حياة ذات معنى، وهي أن يرد لله محبته، وأن يكرّس لله كل ما هو غالي وثمين؛ وعندئذ فقط سوف يشعر بالرضا في قلبه. كان بطرس في معظم الأحيان يصلى ليسوع قائلًا: "أيها الرب يسوع المسيح، لقد أحببتك في وقتٍ من الأوقات، لكنّها لم تكن محبة حقيقيّة؛ ومع أنني كنت أقول إني آمنت بِكَ، لكن لم تكن قَط محبتي لكَ بقلب صادق. كنت فقط أتطلع إليك، وأُعجَب بكَ، وأفتقدكَ؛ لكنني لم أكُن أكنُّ لكَ محبةَ حقيقية، كما لم يكن لديّ إيمانٌ حقيقي بكَ". كان بطرس دائمًا يصلي لكي يأخذ قراره، وكان يتشجّع باستمرار بفعل كلمات يسوع، والتي كان يحوّلها إلى دافعٍ لهُ. وبعد فترةِ من الاختبار، امتحنه يسوع فيما بعد ليحثّهُ على أن يكون أكثر توقًا إليهِ. صلى بطرس قائلًا: "أيها الرب يسوع المسيح، كم أشتاق إليكَ، وكم أتوقُ أن أتطلع نحوك. ينقصني الكثير جدًا، ولست أستطيع أن أرد لك محبتك. لذا اتضرعُ إليكَ أن تأخذني سريعًا؛ متى يحين الوقت الذي تحتاجني فتأخذني إليكَ؟ متى يجيء الوقت الذي أستطيع فيه أن أنظر إلى وجهك من جديد؟ لا أريد أن أعيش في هذا الجسد بعد الآن، لا أريد أن أستمر في فسادي، ولا أريد أن أتمرّد أكثر من ذلك. إنّي على استعداد أن أُكرّس لكَ كل ما أملكه بأسرع ما يمكنني، لست أريد أن أُحزِنَك ثانيةً". تلك كانت الطريقة التي كان يصلي بها بطرس، ولكنه لم يكن يعلم في ذلك الحين ما سوف يكمّله يسوع في داخله. ففي أثناء ضيقة امتحانه، ظهر له يسوع مرةً أخرى وقال له: "يا بطرس، أريد أن أجعلك كاملًا، حتى تصبح ثمرة؛ نعم! ثمرة تبلور عملي الذي جعلك إنسانًا كاملًا، تلك الثمرة التي أتلذذ بها. هل تستطيع حقًا أن تشهد لي؟ هل قمت بعمل ما أطلبه منك؟ هل عشت الكلمات التي نطقت بها؟ لقد أحببتني، ولكن مع حبك لي، هل عشت بحسب حياتي؟ ماذا فعلت لأجلي؟ أنت تعرف أنك لا تستحق حبي، ولكن ماذا فعلت لأجلي؟" رأى بطرس أنه لم يفعل شيئًا لأجل يسوع، وقد تذكّر قَسَمه فيما سبق بأن يبذل حياته لأجل الله. ولذا فإنه لم يَعُد يتذمر، وأصبحت صلواته فيما بعد أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ذلك. صلى بطرس قائلًا: "أيها الرب يسوع المسيح، لقد تركتك ذات يوم، وأنت أيضًا تركتني في يومٍ من الأيام. لقد قضينا وقتًا بعيدًا عن بعضنا بعضًا، كما قضينا وقتًا في صحبة بعضنا بعضًا. ولكنك مع ذلك تحبني أكثر من أي شيء آخر. لقد تمرّدت عليكَ مِرارًا، وأحزنتك أيضًا مِرارًا. كيف لي أن أنسى مثل هذه الأشياء؟ إنّي احتفظ في ذهني دائمًا بذكرى العمل الذي قمت به فيّ والأمور التي ائتمنتني عليها؛ لم أنس ذلك أبدًا. فمن خلال العمل الذي قمت به فيّ حاولت بأقصى ما بوسعي. إنّك تعرف تمامًا ماذا يمكن أن أفعل، وتعرف أيضًا الدور الذي يمكنني أن أقوم به. إن أي شيء تتمنّاه هو أمرٌ لي، ولسوف أُكرّس لك كل ما أملكه. أنت وحدك تعلم ما يمكنني أن أفعله لأجلك. ومع أن إبليس قد خدعني كثيرًا جدًا، وقد تمرّدت عليكَ، إلا أنّي أؤمن أنك لا تتذَكّرني بهذه التعدّيات، ولا تتعامل معي على أساسها. أتمنى أن أُكرّس لك حياتي بأكملها. لا أطلب شيئًا، كما أنّه ليس لي أي آمال أو خطط؛ وكل ما أتمنّاه هو أن أعمل وفق مقاصدك، وأن أفعل مشيئتك. سوف أشرب من كأسك المُرّة، وأنا مِلكُكَ، فقُدني كما تشاء".
عليكم أن تكونوا واضحين بخصوص الطريق الذي تسلكونه الآن؛ وعليكم أيضًا أن تكونوا واضحين بخصوص الطريق الذي سوف تسلكونه في المستقبل، ما هو العمل الذي سيتمّمه الله فيكم؟ وما هو الشيء الذي اُئتُمنتُم عليه؟ ربما تُمتَحَنُون في يومِ ما، فإذا ألهمَتْكُم وقتها اختبارات بطرس، يُعَد ذلك مؤشرًا على أنّكم بحق تسلكون في طريق بطرس. لقد امتدح الله بطرس من أجل إيمانه الحقيقي ومحبته الصادقة، وولائه لله. ولأجل أمانته وشوق قلبه لله، قد جعله الله كاملًا. إن كان لديك حقًا نفس محبة بطرس وإيمانه، فإن يسوع – بدون أدنى شك – سوف يجعلك كاملًا.
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. كيفية تَعرّف بطرس على يسوع