القائمة

لأعلى التالي

كلمات الله اليومية: معرفة الله | اقتباس 2

436 2020-05-23

صفات الله وكينونته وجوهره وشخصيته جميعها معلنة في كلامه للبشرية. عندما يختبر الإنسان كلام الله، سيبدأ في فهم الهدف من وراء الكلام الذي يقوله الله أثناء تنفيذه، ويفهم منبع كلام الله وخلفيته، ويفهم ويقدّر الأثر المقصود من كلامه. من ناحية البشر، هذه جميعها أمور يجب على الإنسان أن يختبرها ويستوعبها ويصل إليها بهدف الوصول إلى الحق والحياة، وفهم مقاصد الله، وحتى تتغير طبيعته، ويصير قادرًا على الخضوع لسيادة الله وترتيباته. في الوقت ذاته، إذ يختبر الإنسان هذه الأمور ويفهمها ويصل إليها، سيحصل تدريجيًّا على فهم عن الله، وفي هذا الوقت سيحصل أيضًا على درجات مختلفة من المعرفة عنه. لا تأتي هذه المعرفة وهذا الفهم من شيء قد تخيله الإنسان أو ألَّفه، بل تأتي بالحري مما يقدّره ويختبره ويشعر به وما يقتنع به بداخله. لا تتأيّد معرفة الإنسان عن الله بالقناعة إلا بعد تقدير هذه الأمور واختبارها والاقتناع والشعور بها، فقط المعرفة التي يحصل عليها في هذا الوقت فعلية وواقعية ودقيقة، وهذه العملية – عملية الوصول إلى فهمٍ ومعرفةٍ أصيلين عن الله من خلال تقدير كلامه واختباره والاقتناع والشعور به – ليست إلا اتحادًا حقيقيًّا بين الإنسان والله. في وسط هذا النوع من الاتحاد، يفهم الإنسان حقًّا ويستوعب مقاصد الله، ويفهم ويعرف حقًّا كينونة الله وصفاته، ويفهم جوهره ويعرفه حقًّا، ويفهم ويعرف تدريجيًّا شخصية الله، ويصل إلى يقينية حقيقية وتعريف صحيح عن حقيقة سيادة الله على كل الخليقة، ويحصل على معرفة جوهرية عن مركز الله وهويته. في وسط هذا النوع من الاتحاد، يغيّر الإنسان، خطوة بخطوة، أفكاره عن الله، ولا يعود يرسم له صورة من نسج خياله، أو يطلق عنان شكوكه عنه، أو سوء فهمه عنه، أو إدانته، أو الحكم عليه، أو الشك فيه. ونتيجةً لذلك، ستقل مُحاجَّات الإنسان مع الله، وستتقلّص خلافاته مع الله، وتندر المناسبات التي يتمرّد فيها ضد الله. بل وعلى عكس ذلك، سينمو اهتمام الإنسان بالله وخضوعه له، وسيصير اتقاؤه لله أكثر واقعيّةً وأكثر عمقًا. في وسط هذا النوع من الاتحاد، لن يحصل الإنسان على عطية الحق ومعمودية الحياة فقط، بل سيحصل أيضًا في الوقت ذاته على معرفة حقيقية عن الله. في وسط هذا النوع من الاتحاد، لن يتغير الإنسان في شخصيته وينال الخلاص فحسب، بل سيكنَّ في ذات الوقت اتّقاءً حقيقيًّا وعبادةً حقيقية من مخلوق تجاه الله. بعد أن يحصل الإنسان على هذا النوع من الاتحاد، لن يعود إيمانه بالله مجرد ورقة فارغة أو وعد كاذب، أو شكل من أشكال السعي الأعمى أو العبادة العمياء؛ فلن تنمو حياة الإنسان تجاه النضوج يومًا تلو الآخر إلا من خلال هذا النوع من الاتحاد، ووقتها فقط ستتغير شخصيته تدريجيًّا، وسيجتاز إيمانه بالله خطوة بخطوة من إيمان مبهم وغير يقيني إلى الخضوع والاهتمام الصادقين، وإلى الاتقاء الحقيقي. في سعي الإنسان إلى الله، سيتقدم أيضًا تدريجيًّا من موقفٍ سلبي إلى موقفٍ فاعلٍ، ومن شخص يتصرف كرد فعل لما يصدر عن الآخرين إلى شخصٍ يبادر بأفعال إيجابية؛ فقط من خلال هذا النوع من الاتحاد سيصل الإنسان إلى فهم واستيعاب صحيحين عن الله، وإلى معرفة صحيحة عنه. ولأن الغالبية العظمى من الناس لم تدخل قط في اتحاد حقيقي مع الله، فإن معرفتهم عن الله تتوقف عند مستوى النظرية، ومستوى الحروف والتعاليم. أي إنه على قدر ما يهتم الغالبية العظمى من الناس، بغض النظر عن عدد السنوات التي آمنوا فيها بالله، بمعرفة الله، فلا يزالون في نفس المكان الذي بدأوا منه، وعالقين في أساس أشكال الإجلال التقليدية، بزخارف اللون الأسطوري والخرافة البائدة. إن وجوب توقف معرفة الإنسان عن الله عند نقطة البداية يعني أنها غير موجودة عمليًّا. بعيدًا عن تأكد الإنسان من مكانة الله وهويته، لا يزال إيمان الإنسان بالله في حالة من عدم اليقينية المبهمة. وعليه، ما قدر الاتقاء الحقيقي الذي يمكن للإنسان أن يكنَّه لله؟

مهما كان قدر إيمانك الراسخ بوجوده، فلا يمكن أن يحلّ هذا محل معرفتك بالله، ولا اتقاءك له. ومهما كان قدر تمتعك ببركاته ونعمته، فلا يمكن أن يحل هذا محل معرفتك بالله. ومهما كان مقدار رغبتك وحماستك في تكريس كل ما لديك وبذلك كل ما لديك من أجله، فلا يمكن أن يحل هذا محل معرفتك بالله. ربما قد أَلِفْتَ الكلمات التي قد قالها، أو حتى حفظتها عن ظهر قلب ويمكنك ترديدها عكسيًا دون معاناة، لكن هذا لا يمكنه أن يحل محل معرفتك بالله. أيًّا كانت نية الإنسان في اتباع الله، فإن لم يكن لديه قط اتحاد أصيل مع الله، أو اختبار أصيل لكلام الله، فمعرفته بالله ستكون فارغة أو فكرة خيالية بلا حدود. سواء كنت قد مررت بالله "مرور الكرام"، أو تقابلت معه وجهًا لوجه، فلا تزال معرفتك بالله لا شيء، واتقاؤك لله ليس إلا شعارًا أجوفَ أو فكرةً مثاليةً.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. تمهيد

اترك رد