فهم سلطان الله من المنظورين الكُليّ والجزئيّ
سلطان الله فريدٌ. إنه التعبير المُميّز عن هويّة الله ذاته والجوهر الخاص بها. لا يملك أيّ كائن مخلوق أو غير مخلوقٍ مثل هذا التعبير المُميّز ومثل هذا الجوهر الخاص، فالخالق وحده هو من يملك مثل هذا السلطان. وهذا يعني أن الخالق وحده – الله الفريد – مُعبّرٌ عنه بهذه الطريقة وله هذا الجوهر. لماذا الحديث عن سلطان الله؟ كيف يختلف سلطان الله ذاته عن السلطان في عقل الإنسان؟ ماذا يُميّز هذا الموضوع؟ لماذا من المهمّ بشكلٍ خاص التحدّث عنه هنا؟ يتعيّن على كل واحدٍ منكم النظر بعنايةٍ في هذا الموضوع. يعتبر معظم الناس أن "سلطان الله" فكرةٌ غامضة من الصعب جدًا استيعابها، ومن المُرجّح أن تكون أيّة مناقشةٍ عنها غامضة. ولذلك سوف تكون هناك فجوةٌ ثابتة بين معرفة سلطان الله الذي يمكن للإنسان استيعابه وجوهر سلطان الله. من أجل سَدّ هذه الفجوة، يتعيّن على المرء أن يتدرّج في معرفة سلطان الله عن طريق أشخاصٍ واقعيّين أو أحداثٍ أو أشياءٍ أو ظواهر واقعيّة في متناول البشر ويستطيع البشر فهمها. على الرغم من أن تعبير "سلطان الله" قد يبدو مبهمًا، إلا أن سلطان الله ليس مُجرّدًا على الإطلاق. إن الله حاضرٌ مع الإنسان في كل لحظةٍ من لحظات حياته ويقوده كل يومٍ. ولذلك، سوف يرى كلُّ شخصٍ في الحياة اليوميّة ويشهد بالضرورة الجانب الملموس في سلطان الله. وهذا الجانب الملموس دليلٌ كافٍ على أن سلطان الله موجودٌ فعلًا، ويسمح للمرء بشكلٍ كامل أن يُدرِك ويفهم حقيقة أن الله يملك هذا السلطان.
خلق الله كل شيءٍ، ولأنه الخالق فهو بذلك له سلطانٌ على جميع الأشياء. بالإضافة إلى سلطانه على جميع الأشياء، فإنه يتحكّم بكل شيءٍ. ما معنى فكرة أن "الله يتحكّم بكل شيءٍ"؟ كيف يمكن تفسيرها؟ كيف تنطبق على الحياة الحقيقيّة؟ كيف يمكنكم معرفة سلطان الله من خلال فهم حقيقة أن "الله يتحكّم بكل شيءٍ"؟ يجب أن نرى من عبارة "الله يتحكّم بكل شيءٍ" أن ما يتحكّم به الله ليس جزءًا من الكواكب أو جزءًا من الخلق أو جزءًا من البشريّة، ولكن كل شيءٍ: من الضخم إلى المجهريّ، من المرئيّ إلى غير المرئيّ، من النجوم في الكون إلى الكائنات الحيّة على الأرض، وكذلك الكائنات الدقيقة التي لا يمكن رؤيتها بالعين المُجرّدة أو الكائنات الموجودة في أشكالٍ أخرى. هذا هو التعريف الدقيق "لجميع الأشياء" التي "يتحكّم بها الله"، وهو النطاق الذي يملك عليه الله سلطانه ومدى سيادته وحكمه.
قبل ظهور الجنس البشريّ هذا، كان الكون – أي جميع الكواكب وجميع النجوم في السماوات – موجودًا بالفعل. على المستوى الكُليّ، كانت هذه الأجسام السماويّة تدور بانتظامٍ، في ظلّ تحكّم الله، طوال وجودها بغضّ النظر عن عدد السنين. اتجّاه كل كوكبٍ ووقت حركته المُعيّن ومهمّته وموعد مهمّته ومداره وموعد اختفاءه أو استبداله – جميع هذه الأشياء تستمرّ دون أدنى خطأ. مواضع الكواكب والمسافات بينها تتبع جميعها أنماطًا صارمة يمكن وصفها كلها ببياناتٍ دقيقة: المسارات التي تمرّ بها، وسرعة وأنماط مداراتها، والأوقات التي تكون فيها في مواضع مختلفة يمكن قياسها بدقةٍ ووصفها بقوانين خاصة. اتّبعت الكواكب هذه القوانين عبر الدهور، ولم تنحرف عنها مطلقًا. لا يمكن لأيّة قوّةٍ أن تُغيّر أو تُعطّل مداراتها أو الأنماط التي تتبعها. ونظرًا لأن القوانين الخاصة التي تحكم حركتها والبيانات الدقيقة التي تصفها مُحدّدة مسبقًا بسلطان الخالق، فإنها تطيع هذه القوانين من تلقاء نفسها في ظلّ سيادة الخالق وتحكّمه. على المستوى الكُليّ، ليس من الصعب على الإنسان معرفة بعض الأنماط وبعض البيانات وكذلك بعض القوانين أو الظواهر الغريبة وغير القابلة للتفسير. على الرغم من أن الجنس البشريّ لا يعترف بوجود الله ولا يقبل حقيقة أن الخالق خلق كل شيءٍ ويسود عليه ولا يعترف بوجود سلطان الخالق، إلا أن العلماء البشريّين وعلماء الفلك وعلماء الفيزياء يكتشفون بالأحرى أن وجود جميع الأشياء في الكون والمبادئ والأنماط التي تُوجّه تحركاتهم يخضع بأكمله لحكم وتحكّم طاقةٍ مظلمة هائلة وغير مرئيّة. هذه الحقيقة تُجبِر الإنسان على المواجهة والإقرار بأن هناك إلهًا قديرًا في وسط هذه الأنماط من الحركة، وأنه يُرتّب كل شيءٍ. قوّته غير عاديّة، وعلى الرغم من أن أحدًا لا يمكنه أن يرى وجهه الحقيقيّ، إلا أنه يحكم ويتحكّم بكل شيءٍ في كل لحظةٍ. لا يمكن لأيّ إنسانٍ أو قوّةٍ تجاوز سيادته. يتعيّن على الإنسان في مواجهة هذه الحقيقة أن يُدرِك أن القوانين التي تحكم وجود جميع الأشياء لا يمكن أن يتحكّم بها البشر، ولا يمكن أن يُغيّرها أيّ شخصٍ. وفي الوقت نفسه، يتعيّن على الإنسان أن يعترف بأن البشر لا يمكنهم فهم هذه القوانين فهمًا كاملًا. إنها لا تحدث بشكلٍ طبيعيّ، ولكن يُوجّهها ربٌّ وسيد. إنها جميعها تعبيراتٌ عن سلطان الله الذي يمكن للبشريّة أن تُدرِكه على المستوى الكُليّ.
على المستوى الجزئيّ، فإن جميع الجبال والأنهار والبحيرات والبحار واليابسة التي يراها الإنسان على الأرض، وجميع الفصول التي يمرّ بها، وجميع الأشياء التي تسكن الأرض، بما في ذلك النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة والبشر تخضع لسيادة الله ويتحكّم بها الله. في ظلّ سيادة الله وتحكّمه توجد جميع الأشياء أو تختفي وفقًا لأفكاره، كما أن حياتها جميعًا محكومةٌ بقوانين مُعيّنة وتنمو وتتكاثر وفقًا لها. لا إنسان ولا شيء هو فوق هذه القوانين. لماذا؟ الجواب الوحيد هو سلطان الله. أو، بأسلوبٍ آخر، بسبب أفكار الله وكلمات الله؛ لأن الله ذاته يفعل هذا كله. هذا معناه أن سلطان الله وعقل الله يُحدِثان هذه القوانين؛ وهذه سوف تتحوّل وتتغيّر وفقًا لأفكاره، وهذه التحوّلات والتغييرات تحدث كلها أو تختفي من أجل خطته. فكّر في الأوبئة على سبيل المثال. تظهر دون سابق إنذارٍ، فلا أحد يعرف أصولها أو الأسباب الدقيقة لحدوثها، ومتى وصل الوباء إلى مكانٍ معين، لا يمكن للمنكوبين الهروب من الكارثة. يُدرِك العلم البشريّ أن الأوبئة تنجم عن انتشار الميكروبات الخبيثة أو الضارة، ولا يمكن أن يتنبأ العلم البشريّ بسرعتها أو نطاقها أو طريقة انتقالها أو يتحكّم بها. على الرغم من أن البشر يقاومونها بجميع الوسائل الممكنة، إلا أنهم لا يمكنهم التحكّم في نوعيّة الأشخاص أو الحيوانات التي تتأثّر حتمًا عندما تظهر الأوبئة. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفعله البشر هو محاولة منعها ومقاومتها ودراستها. ولكن لا أحد يعرف الأسباب الجذريّة التي تُفسّر بداية أيّ وباءٍ أو نهايته، ولا يمكن لأحدٍ أن يتحكّم بها. في مواجهة ظهور الوباء وانتشاره، فإن أول إجراءٍ يتّخذه البشر هو تطوير لقاحٍ، ولكن غالبًا ما يختفي الوباء من تلقاء نفسه قبل أن يصبح اللقاح جاهزًا. لماذا تختفي الأوبئة؟ يقول البعض إن الجراثيم أصبحت قيد التحكّم، بينما يقول آخرون إنها تختفي بسبب التغييرات في المواسم... أما فيما إذا كانت هذه التخمينات صحيحة أم لا، لا يمكن للعلم أن يُقدّم أيّ تفسيرٍ أو يعطي إجابة مُحدّدة. إن ما يواجهه البشر ليس مُجرّد هذه التخمينات، بل عدم فهم البشر للأوبئة وخوفهم منها. لا أحد يعلم، في المُحصّلة النهائيّة، سبب بداية الأوبئة أو سبب نهايتها. ونظرًا لأن البشر لا يؤمنون سوى بالعلم ويعتمدون عليه تمامًا ولا يعترفون بسلطان الخالق أو يقبلون سيادته، فلن تكون لديهم أيّة إجابةٍ.
في ظلّ سيادة الله، توجد جميع الأشياء وتفنى بسبب سلطانه وبسبب تدبيره. بعض الأشياء تأتي وتذهب بهدوءٍ، ولا يستطيع الإنسان معرفة من أين أتت ولا يفهم القواعد التي تتبعها، ناهيك عن أنه لا يفهم أسباب مجيئها وذهابها. على الرغم من أن الإنسان يمكنه أن يشهد أو يسمع أو يختبر كل ما يحدث بين جميع الأشياء، على الرغم من أنها جميعها لديها تأثيرٌ على الإنسان، وعلى الرغم من أن الإنسان يُدرِك إدراكًا لا شعوريّ استثنائيّة الظواهر المختلفة أو اعتياديّتها أو حتّى غرابتها، إلا أنه ما زال لا يعرف شيئًا عن إرادة الخالق وعقله اللذين يقفان وراءها. هناك العديد من القصص وراءها والعديد من الحقائق المخفيّة. ونظرًا لأن الإنسان حاد بعيدًا عن الخالق لأنه لا يقبل حقيقة أن سلطان الخالق يتحكّم بجميع الأشياء، فإنه لن يعرف أو يفهم أبدًا كل ما يحدث في ظلّ سيادته. في الغالب، يتجاوز تحكّم الله وسيادته حدود الخيال والمعرفة والفهم البشريّين، وما يمكن أن يُحقّقه العلم البشريّ؛ كما أن قدرات البشر المخلوقة لا يمكنها منافستها. يقول بعض الناس "بما أنك لم تشهد سيادة الله بنفسك، فكيف يمكنك أن تؤمن بأن كل شيءٍ خاضعٌ لسلطانه؟" الرؤية لا تعني الإيمان دائمًا، الرؤية لا تعني دائمًا التمييز والفهم. إذًا من أين ينبع الإيمان؟ أستطيع أن أقول على وجه اليقين "ينبع الإيمان من درجة وعمق فهم الناس واختبارهم لواقع الأشياء وأسبابها الجذريّة". إذا آمنتَ بوجود الله ولم تستطع أن تُميّز أو على أقلّ تقديرٍ تُدرِك حقيقة تحكّم الله وسيادة الله على جميع الأشياء، فلن تعترف في قلبك أبدًا أن الله يملك هذا النوع من السلطان وأن سلطان الله فريدٌ. ولن تقبل أن يكون الخالق حقًّا ربّك وإلهك.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (ج)