في الواقع، شخصية الله معلنة لكل شخص وغير مستترة لأن الله لم يتجنب أي شخص أبدًا عن عمد ولم يسعَ أبدًا أن يحجب نفسه كي لا يقدر الناس على معرفته أو فهمه. لطالما كانت شخصية الله دائمًا معلنة وكانت تواجه كل شخص بأسلوب صريح. أثناء تدبير الله، قام الله بعمله، وواجه الجميع؛ وتم عمله على كل شخص. وإذ يقوم بعمله، فإنه يكشف عن شخصيته كشفًا مستمرًا ويستخدم جوهره وما لديه بصورة مستمرة لإرشاد كل شخص وإعانته. في كل عصر وكل مرحلة، بغض النظر عمّا إن كانت الظروف جيدة أم سيئة، فشخصية الله دائمًا معلنة لكل فرد، وصفاته وكيانه دائمًا مُعلنان لكل فرد، بالطريقة نفسها التي تعول بها حياته دائمًا البشرية وتدعمها باستمرار وبلا انقطاع. ومع هذا كله، تظل شخصية الله مستترة عن البعض. لماذا؟ لأنه مع كون هؤلاء الناس يعيشون داخل عمل الله ويتبعونه، إلا أنهم لم يسعوا إلى فهم الله أبدًا أو أرادوا أن يتعرفوا عليه، ولا حتى أن يقتربوا منه؛ إن فهم شخصية الله عند هؤلاء الناس تعني أن نهايتهم قادمة؛ وتعني أنهم على وشك أن يُدانوا من شخصية الله. لذلك، لا يرغب هؤلاء الناس أبدًا في فهم الله وشخصيته، ولا يرغبون في الحصول على فهم أو معرفة أعمق عن مشيئة الله. إنهم لا ينوون استيعاب مشيئة الله من خلال تعاون واعٍ، بل أن يتمتعوا إلى الأبد فحسب ولا يتعبون أبدًا من فعل ما يريدون أن يفعلوه، أي الإيمان بالإله الذي يريدون أن يؤمنوا به؛ والإيمان بالإله الموجود فقط في مخيلتهم، الإله الموجود فقط في تصوراتهم؛ والإيمان بإله لا يمكن أن ينفصل عنهم في حياتهم اليومية. عندما يتعلق الأمر بالله الحقيقي نفسه، فإنهم يرفضونه رفضًا تامًا، بلا أية رغبة في فهمه، أو الاهتمام به، وبلا أي عزم على الاقتراب منه. إنهم لا يستخدمون الكلمات التي يعبر عنها الله إلا لستر أنفسهم، وتسويقها. فمن وجهة نظرهم، يجعلهم هذا بالفعل مؤمنين ناجحين وأناسًا لهم إيمان بالله داخل قلوبهم. في قلوبهم، ترشدهم خيالاتهم، وتصوراتهم، وتعريفاتهم الشخصية لله. أما من ناحية أخرى، فالله الحقيقي ذاته لا علاقة له بهم. لأنهم بمجرد أن يفهموا الله الحقيقي ذاته، ويفهموا شخصية الله الحقيقية، ويفهموا ما لديه وما هو عليه، فإن هذا يعني أن أفعالهم وإيمانهم وأهدافهم ستُدان. لهذا لا يرغبون في فهم جوهر الله، وهم كارهون ولا يرغبون في السعي أو الصلاة بنشاط لفهم الله فهمًا أفضل، ومعرفة مشيئة الله معرفة أفضل، وفهم شخصيته فهمًا أفضل. بل يفضلون إلهًا مصنوعًا، وأجوفَ ومتملصًا. يفضلون أن يكون الله شخصًا كما تخيلوه بالضبط، شخصًا يمكنه أن يكون تحت إمرتهم، ولا يتعب أو يكلّ في توفير المعونة، ومتاحًا دائمًا. عندما يريدون التمتع بنعمة الله، يطلبون أن يكون الله هو تلك النعمة. عندما يحتاجون إلى بركة الله، يطلبون أن يكون الله هو هذه البركة. حين يواجهون محنة، يطلبون من الله أن يشجعهم، وأن يكون شبكة أمانهم. معرفة هؤلاء الناس عن الله عالقة في نطاق النعمة والبركة. فهمهم عن عمل الله وشخصيته وذاته مقيدة بخيالاتهم وهي مجرد رسائل وعقائد. لكن يوجد بعض الناس المتحمسين لفهم شخصية الله، ويريدون بصدق أن يروا الله ذاته، وأن يفهموا شخصية الله بحق، وما لديه ومَنْ هو. هؤلاء الأشخاص في سعي نحو حقيقة الحق وخلاص الله، ويسعون لنيل إخضاع الله وخلاصه وتكميله. يستخدم هؤلاء الناس قلوبهم لقراءة كلمة الله، وتقدير كل موقف وكل شخص، وكل حدث أو أمر قد رتبه الله لهم، ويصلون ويسعون بصدق. أكثر ما يريدونه هو معرفة مشيئة الله وفهم شخصية الله وجوهره الحقيقين. لذلك لن يسيئوا إلى الله فيما بعد، ومن خلال خبراتهم سيقدرون على أن يروا المزيد من جمال الله وجانبه الحقيقي، وحتى يوجد الله الحقيقي حقًا أيضًا داخل قلوبهم، وحتى يكون له مكان في قلوبهم، فلا يعودوا يعيشون في التخيلات أو التصورات أو المراوغة. إن السبب وراء الرغبة الملحة لدى هؤلاء الناس في فهم شخصية الله وجوهره هو أن شخصية الله وجوهره أمران يحتاج إليهما البشر في أية لحظة في اختباراتهم، وأمران يوفران معونة لحياتهم طيلة العمر. بمجرد أن يفهموا شخصية الله، سيقدرون على تبجيل الله تبجيلاً أفضل، والتعاون مع عمله بطريقة أفضل، ومراعاة مشيئة الله بدرجة أكبر، وأداء واجبهم بقدر ما يستطيعون. هذان هما نوعا الناس المقصودان عندما يتعلق الأمر بموقفهم تجاه شخصية الله. النوع الأول لا يريد أن يفهم شخصية الله. ومع أنهم يقولون إنهم يريدون أن يفهموا شخصية الله ويتعرفوا على الله ذاته، ويروا ما لدى الله ومَنْ هو، ويقدروا مشيئة الله تقديرًا صادقًا، إلا أنهم في أعماقهم يفضلون لو لم يكن الله موجودًا. هذا هو السبب في أن هذا النوع من الناس يعصى الله ويقاومه دائمًا، ويحارب الله في قلبه لنيل منصب، وكثيرًا ما يتشكك في وجود الله أو حتى ينكر وجوده. إنهم لا يريدون أن يسمحوا لشخصية الله أو الله الحقيقي ذاته أن يشغل قلوبهم. فهم لا يريدون سوى إرضاء رغباتهم ومخيلاتهم وطموحاتهم. لذلك، قد يؤمن هؤلاء الناس بالله، ويتبعونه، ويمكنهم أيضًا أن يتخلوا عن عائلاتهم ووظائفهم من أجله، لكنهم لا ينهون طرقهم الشريرة. بل وحتى يحتال البعض ويسرق التقدمات أو يلعن الله سرًّا بينما قد يستخدم آخرون مراكزهم للشهادة عن أنفسهم بطريقة متكررة، وتبجيل أنفسهم، ومنافسة الله لكسب الناس والوضع الاجتماعي. إنهم يستخدمون وسائل وتدابير متنوعة ليجعلوا الناس يعبدونهم، ويحاولون باستمرار أن يربحوا الناس ويسيطروا عليهم. حتى أن بعضهم يضلل الناس عمدًا ليظنوا أنهم هم الله وحتى يعاملوهم كالله. لا يخبرون الناس أبدًا أنهم كانوا فاسدين، وأنهم أيضًا فاسدون وجاهلون، ولا يجب أن يعبدوهم، وأنه مهما كان الصلاح الذي يفعلونه، فهذا كله بسبب تمجيد الله وما ينبغي عليهم فعله على أية حال. لماذا لا يقولون مثل هذه الأمور؟ لأنهم خائفون بشدة من فقدان مكانتهم في قلوب الناس. لهذا السبب لا يمجد هؤلاء الناس الله أبدًا ولا يشهدون له أبدًا، لأنهم لم يحاولوا قط أن يفهموا الله. هل يمكنهم أن يعرفوا الله دون أن يفهموه؟ مستحيل! وهكذا، بينما قد تبدو الكلمات في موضوع "عمل الله، وشخصية الله، والله ذاته" بسيطة، إلا أن معناها يختلف من شخص لآخر. فعند الشخص الذي كثيرًا ما يعصى الله ويقاومه ويعاديه، فهي تعني الإدانة؛ بينما عند الشخص الذي ينتهج حقيقة الحق، وكثيرًا ما يأتي أمام الله ليطلب مشيئته، فلا شك أنه يستمتع بالأمر. لذلك فيما بينكم، عندما يسمع البعض كلامًا عن شخصية الله وعمله، فإنهم يصابون بصداعٍ، وتمتلئ قلوبهم بالمقاومة، ويصيرون غير مرتاحين بدرجة مفرطة. ولكن يوجد آخرون بينكم يفكرون هكذا: إن هذا الموضوع بالضبط ما أحتاج إليه، لأن هذا الموضوع نافع لي جدًا. إنه جزء لا يمكن أن أفقده في خبرتي الحياتية؛ إنه أساس الموضوع وصلبه، وهو أساس الإيمان بالله، وأمر لا يمكن للبشرية أن تحتمل التخلي عنه. قد يبدو هذا الموضوع لكم جميعًا قريبًا وبعيدًا، مجهولاً ومألوفًا. ولكن أيًّا كان الأمر، فإنه موضوع يجب أن ينصت إليه كل شخص جالس هنا، ويجب أن يعرفه ويفهمه. ومهما كانت الكيفية التي تتعامل بها معه، والكيفية التي تنظر من خلالها إليه، أو الكيفية التي تستقبله بها، فلا يمكن تجاهل أهمية هذا الموضوع.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (أ)