قيامة لعازر تُمجّد الله
يوحنّا 11: 43-44 "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مَرْبُوطَاتٌ بِأَقْمِطَةٍ، وَوَجْهُهُ مَلْفُوفٌ بِمِنْدِيل. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: "حُلُّوهُ وَدَعُوهُ يَذْهَبْ".
ما انطباعكم بعد قراءة هذا المقطع؟ كانت أهميّة هذه المعجزة التي صنعها الرّبّ يسوع أكبر بكثيرٍ من السابقة لأنه لا توجد معجزةٌ أكثر مدعاة للإعجاب من إقامة رجلٍ ميت من القبر. كان هذا الشيء الذي صنعه الرّبّ يسوع مُهمًّا جدًّا في ذلك العصر. فلأن الله صار جسدًا، لم يكن بوسع الناس سوى أن يروا ظهوره بالجسد وجانبه العمليّ وجانبه الذي لا يُمثّل أهميّة. وحتّى إذا كان بعض الناس قد رأوا جانبًا من شخصيّته أو بعض نقاط قوّته التي كان يبدو أنه يملكها، لم يكن أحدٌ يعرف من أين جاء الرّبّ يسوع وجوهره الحقيقيّ وما الذي يمكنه أن يفعل أكثر من ذلك حقًّا. كان هذا كلّه غير معروفٍ للبشر. وقد طلب أناسٌ كثيرون جدًّا دليلاً على هذا الشيء ومعرفة الحقيقة. هل يمكن أن يصنع الله شيئًا لإثبات هويّته؟ كان هذا الأمر في نظر الله في منتهى السهولة. كان بإمكانه أن يصنع شيئًا في أيّ مكانٍ وفي أيّ وقتٍ لإثبات هويّته وجوهره، ولكن الله كان يصنع الأشياء بخطّةٍ وبخطواتٍ. لم يكن يصنع الأشياء دون تمييزٍ؛ كان يبحث عن الوقت المناسب والفرصة المناسبة لصنع شيءٍ أكثر مغزى يمكن أن يراه البشر. وقد أثبت هذا سلطانه وهويّته. هل استطاعت قيامة لعازر إثبات هويّة الرّبّ يسوع إذًا؟ دعونا ننظر إلى هذا المقطع من الكتاب المُقدّس: "وَلَمَّا قَالَ هَذَا صَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فَخَرَجَ ٱلْمَيْتُ". عندما عمل الرّبّ يسوع هذا، لم يقل سوى شيئًا واحدًا: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". فخرج لعازر من قبره – وقد تحقّق ذلك بسبب جملةٍ واحدة نطق بها الرّبّ. خلال هذا الوقت، لم يبنِ الرّبّ يسوع مذبحًا، ولم يصنع أيّة أعمالٍ أخرى. لم يقل سوى شيئًا واحدًا. هل يمكن تسمية ذلك بمعجزةٍ أم بأمرٍ؟ أم هل كان نوعًا من السحر؟ يبدو من الناحية الظاهريّة أنه يمكن تسميته معجزة، وإذا نظرتم إليه من منظورٍ حديث، فبالطبع لا يزال بإمكانكم تسميته بأنه معجزةٌ. ومع ذلك، من المُؤكّد أنه لا يمكن تسميته تعويذة لاستدعاء روحٍ من بين الأموات، وبالطبع ليست شعوذة. من الصواب القول بأن هذه المعجزة كانت الإظهار الأدنى والأكثر طبيعيّة لسلطان الخالق. هذا هو سلطان الله وقدرته. فالله يملك السلطان بأن يجعل المرء يموت ويجعل روحه تفارق جسده وتعود إلى الهاوية، أو إلى المكان الذي يجب أن تذهب إليه. يُقرّر الله الوقت الذي يموت فيه شخصٌ ما والمكان الذي يذهب إليه بعد الموت. يمكنه أن يعمل هذا في أيّ وقتٍ وفي أيّ مكانٍ. فهو غير مقيَّدٍ من البشر أو الأحداث أو الكائنات أو الفضاء أو المكان. إذا أراد أن يفعلها فيمكنه فعل ذلك لأن جميع الأشياء والكائنات الحيّة تحت حكمه، وجميع الأشياء تعيش وتموت بكلمته وبسلطانه. يمكنه إقامة رجلٍ ميت – وهذا أيضًا شيءٌ يمكنه أن يفعله في أيّ زمانٍ ومكانٍ. هذا هو السلطان الذي لا يملكه سوى الخالق.
عندما فعلفعل الرّبّ يسوع شيئًا مثل إقامة لعازر من الموت، كان هدفه هو أن يُقدّم دليلاً يراه البشر والشيطان وأن يدع البشر والشيطان يعرفون أن كلّ شيءٍ يرتبط بالبشر، أي حياة البشر وموتهم، يُقرّره الله، وأنه على الرغم من أنه صار جسدًا، كما هو الحال دائمًا، إلّا أنه لا يزال يحكم العالم الماديّ الذي يمكن رؤيته بالإضافة إلى العالم الروحيّ الذي لا يستطيع البشر رؤيته. كان الهدف من هذا السماح للبشر والشيطان بأن يعرفوا أن الشيطان لا يحكم كلّ شيءٍ. كان هذا كشفًا وإظهارًا لسلطان الله، وكان أيضًا وسيلةً يرسل بها الله رسالة إلى جميع الأشياء بأن حياة البشر وموتهم بيد الله. كانت طريقة إقامة الرّبّ يسوع للعازر إحدى الطرق التي يُعلّم بها الله البشريّة ويُوجّهها. كان عملاً ملموسًا استخدم فيه قدرته وسلطانه لتوجيه البشريّة وتدبيرها. كانت طريقةً بدون كلماتٍ سمح بها الخالق للبشر برؤية حقيقة أنه يسود على جميع الأشياء. وكانت طريقةً يخبر بها البشريّة من خلال أفعالٍ عمليّة أنه لا يوجد خلاصٌ إلّا من خلاله. وهذا النوع من الوسائل الصامتة لتوجيهه البشريّة يدوم إلى الأبد – فهو لا يُمحى، وقد أحدث تغييرًا وتنويرًا في قلوب البشر لا يمكن أن يتلاشى أبدًا. قيامة لعازر مجدّت الله – وهذا له تأثيرٌ عميق على كلّ واحدٍ من أتباع الله. إنه يثبت بقوّةٍ في كلّ شخصٍ يفهم هذا الحدث بحسب الفهم والرؤية بأن الله وحده هو من يحكم حياة البشر وموتهم. مع أن الله يملك هذا النوع من السلطان، ومع أنه أرسل رسالةً حول سيادته على حياة البشر وموتهم من خلال قيامة لعازر، إلّا إن هذا لم يكن عمله الأساسيّ. فالله لا يفعل شيئًا بدون معنى. كلّ شيءٍ يفعله له قيمةٌ كبيرة؛ والأمر كلّه كنزٌ قديم. لن يجعل بالتأكيد مسألة خروج شخصٍ من قبره الهدف الأساسيّ أو الهدف أو البند الوحيد في عمله. لا يفعل الله أيّ شيءٍ بدون معنى. فقيامةٌ واحدة للعازر كافيةٌ لإظهار سلطان الله، وكافية بإثبات هويّة الرّبّ يسوع. ولهذا السبب لم يُكرّر الرّبّ يسوع هذا النوع من المعجزات. يصنع الله الأشياء وفقًا لمبادئه الخاصة. وبلغة البشر، فإن الله يدرك العمل الجاد. وهذا يعني أنه عندما يصنع الله الأشياء فإنه لا ينحرف عن هدف عمله. إنه يعرف العمل الذي يريد أن يُحقّقه في هذه المرحلة، وما يريد أن ينجزه، وسوف يعمل بدقّةٍ وفقًا لخطّته. إذا كان شخصٌ فاسد يملك هذا النوع من القدرة، فسوف يُفكّر في طرقٍ للكشف عن قدرته حتّى يعرف الآخرون مدى قدرته حتّى ينحنون أمامه وحتّى يتمكّن من السيطرة عليهم وابتلاعهم. هذا هو الشرّ الذي يأتي من الشيطان – وهو ما يُسمّى بالفساد. أمّا الله فليس لديه مثل هذه الشخصيّة وليس لديه مثل هذا الجوهر. إن هدفه من صنع الأشياء ليس إظهار نفسه بل تزويد البشريّة بالمزيد من الوحي والإرشاد، ومن ثمّ يمكن أن يرى الناس أمثلةً قليلة جدًّا في الكتاب المُقدّس من هذا النوع من الأشياء. لا يعني هذا أن قدرات الرّبّ يسوع كانت محدودة أو أنه لم يكن بإمكانه أن يصنع هذا النوع من الأشياء. ولكنه يعني ببساطةٍ أن الله لم يرد أن يفعله، لأن إقامة الرّبّ يسوع للعازر كانت لها أهميّةٌ عمليّة كبيرة، وأيضًا لأن العمل الأساسيّ بصيرورة الله جسدًا لم يكن صنع المعجزات، ولم يكن إقامة الناس من الموت، لكنه كان عمل الفداء للبشريّة. ولذلك، فإن مقدارًا كبيرًا من العمل الذي أكمله الرّبّ يسوع كان تعليم الناس وتدبيرهم ومساعدتهم، أمّا أشياء مثل إقامة لعازر فكانت مُجرّد أجزاءٍ صغيرة من الخدمة التي أتمّها الرّبّ يسوع. والأكثر من ذلك، يمكنكم القول بأن "الاستعراض" ليس جزءًا من جوهر الله، ومن ثمّ فإن عدم إظهار المزيد من المعجزات لم يكن ممارسة متعمدة لضبط النفس، ولم يكن بسبب القيود البيئيّة، ولم يكن بالتأكيد نقص القدرة.
عندماعندما أقام الرّبّ يسوع لعازر من الموت استخدم عبارةً واحدة: "لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجًا!". لم يقل شيئًا غير هذا، فماذا تُمثّل هذه الكلمات؟ إنها تُمثّل أن الله يمكنه إنجاز أيّ شيءٍ من خلال التحدّث، بما في ذلك إقامة رجلٍ ميت. عندما خلق الله جميع الأشياء، عندما خلق العالم، فإنه صنع ذلك بالكلمات. استخدم أوامر منطوقة، وكلمات تحمل السلطان، وهكذا صُنعت جميع الأشياء. تحقّق ذلك بهذه الطريقة. هذه العبارة المفردة التي تكلّم بها الرّبّ يسوع كانت مثل الكلمات التي تكلّم بها الله عندما خلق السماوات والأرض وجميع الأشياء؛ فهي تحمل سلطان الله وقدرة الخالق. تشكّلت جميع الأشياء وثبتت بسبب الكلمات الخارجة من فم الله، وبالمعنى نفسه، خرج لعازر من قبره بسبب الكلمات من فم الرّبّ يسوع. كان هذا سلطان الله، الظاهر والمُدرَك في جسده المُتجسّد. وكان هذا النوع من السلطان والقدرة يخصّ الخالق ويخصّ ابن الإنسان الذي أُدْرِكَ فيه الخالق. هذا هو الفهم الذي علّمه الله للبشر بإقامة لعازر من الموت.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. عمل الله، وشخصيّة الله، والله ذاته (ج)