القائمة

لأعلى التالي

كلمات الله اليومية: معرفة الله | اقتباس 119

302 2020-08-15

خمسة أنواع من الناس

في الوقت الحاضر، سأترك شركتنا حول شخصية الله البارة تنتهي عند هذا الحد. وفيما يلي، سأصنف أتباع الله إلى عدة فئات وفقًا لفهمهم لله، ولفهمهم وخبرتهم في شخصيته البارة، كي تعرفوا المرحلة التي تنتمون إليها حاليًا، فضلًا عن معرفتكم بقامتكم الحالية. وفيما يتعلق بمعرفتهم بالله وفهمهم لشخصيته البارة، يمكن بصورة عامة تقسيم المراحل المُختلفة والقامات التي يشغلها الناس إلى خمسة أنواع. يقوم هذا الموضوع على أساس معرفة الله الفريد، وشخصيته البارة؛ ولذلك، ففي حين تقرؤون المحتوى التالي، ينبغي عليكم أن تحاولوا بعناية أنْ تعرفوا بالضبط مقدار الفهم والمعرفة التي لديكم فيما يتعلق بتفرد الله وشخصيته البارة، ثُم استخدموا ذلك لتحديد المرحلة التي تنتمون إليها بالفعل، وما حجم قامتكم الفعلية، وأي نوع من الأشخاص أنتم بالفعل تكونون.

النوع الأول: مرحلة "الطفل المُقمط"

ما هو الطفل المُقمط؟ هو رضيع ملفوف في القماط جاء توًا لهذا العالم، مولود جديد. وهذه المرحلة هي عندما يكون الناس فيها في أصغر حالاتهم وأقل نضجهم.

الناس في هذه المرحلة بالأساس لا يملكون أي وعيّ أو إدراك لمسائل الإيمان بالله؛ فهم بهذه المرحلة يكونون متحيرين وجهلاء بكل شيء. قد يكون هؤلاء الناس آمنوا بالله مُنذُ فترة طويلة أو مُنذ فترة ليست بطويلة جدًا مطلقاً، ولكن حالتهم المتحيرة والجاهلة وقامتهم الفعلية تضعهم ضمن مرحلة طفل في القماط. إنَّ التعريف الدقيق لشروط "مرحلة الطفل في الملابس المُقمطة" تكون على النحو التالي: بغض النظر عن طول المُدة التي آمن فيها هذا النوع من الناس بالله، سيبقون دومًا مشوشين جدًا، مرتبكين وذوي عقول بسيطة، ولا يعرف أحدهم لماذا هو مؤمن بالله، ولا يعلم ماهية الله، أو من هو الله. وبالرُغم من أنه يتبع الله، فإنه لا يوجد في قلبه تعريف محدد لله، ولا يستطع أن يُحدد ما إذا كان الذي يتبعه هو الله، ناهيكَ عما إذا كان ينبغي عليه أنْ يؤمن حقًا بالله ويتبعه. هذه هي الشروط الحقيقية لهذه الفئة من الأشخاص. وأفكار هؤلاء الناس ضبابية، ومصوغة ببساطة، لذا يُعد إيمانهم هذا أحد أسباب ارتباكهم. ودومًا ما يوجدون في حالةٍ من الحيرة والظلام، والبلبلة، والارتباك، وضحالة التفكير؛ وهذه كُلها هي تلخيص لحالتهم؛ فهم لم يروا الله أبدًا، ولا شعروا بوجوده، ولهذا، فإن التحدث معهم حول معرفة الله تكون فائدته مثل جعلك إياهم يقرؤون كتاباً مكتوباً باللغة الهيروغليفية؛ إذ لن يفهموه أو يقبلوه. فبالنسبة إليهم، تعد معرفة الله أشبه بسماع قصة خيالية. ففي حين أنْ أفكارهم ضبابية، إلَّا إنهم في الحقيقة يؤمنون إيمانًا راسخًا أنَّ معرفة الله هي مضيعة كاملة للوقت والجهد. هذا هو النوع الأول من هؤلاء الأشخاص: طفل في قماط.

النوع الثاني: مرحلة "الطفل الرضيع"

مقارنًة بمرحلة الطفل في الملابس المُقمطة، حقق هذا النوع من الأشخاص بعض التقدم؛ ولكن للأسف، ما زالوا لا يفهمون ماهية الله. هم ما زالوا مفتقرين إلى فهم واضح ورؤية صحيحة لله، وليس لديهم وضوح جيد حول ضرورة الإيمان بالله، ولكن لديهم في قلوبهم هدفهم الخاص وأفكارهم الواضحة، ولا يشغلون أنفسهم بما إذا كان من الصحيح أن يؤمنوا بالله. إن الهدف والغرض الذين يسعون إليه من خلال الإيمان بالله هو أن يسعدوا بنعمته، وأن يحصلوا على الفرح والسلام، ليعيشوا عيشة مريحة، وأن يحصلوا على رعاية الله وحمايته، وأنْ يعيشوا في ظل بركات الله. إنهم لا يهتمون بالدرجة التي يعرفون بها الله؛ ليس لديهم أي حافز لأن يسعوا لفهم الله، ولا يهتمون بما يفعله الله أو ما يرغب في عمله. إنهم يسعون فقط وبشكلٍ أعمى للاستمتاع بنعمته، والحصول على المزيد من بركاته، فهم يسعون إلى أخذ مئة ضعف في العصر الحالي، والحياة الأبدية في الدهر الآتي. إنَّ أفكارهم وما ينفقونه، وتكريسهم، فضلًا عن معاناتهم، كلها تشترك في الهدف نفسه؛ وهوالحصول على نعمة الله وبركاته. ليس لديهم اهتمام بأي شيء آخر. هذا النوع من الأشخاص لا يوقن إلا بأن الله قادر على حفظهم وإسباغ نعمته عليهم. قد يقول قائل إنهم غير مهتمين وليست لديهم رؤية واضحة جداً حول سبب رغبة الله في أن يخلّص الإنسان، أو بشأن النتيجة التي يرغب الله في أن تحدث بكلماته وعمله. لم يبذلوا على الإطلاق أي مجهود ليعرفوا جوهر الله وشخصيته البارة، ولا يستطيعون أنْ يستجمعوا اهتمامهم لعمل هذا. إنهم لا يشعرون بمثل هذا الاهتمام تجاه هذه الأشياء، ولا يرغبون في معرفتها. لا يرغبون في أنْ يسألوا عن عمل الله، أو ماذا يطلُب الله من الإنسان، أو عن مشيئة الله أو أي شيء آخر يتعلق بالله؛ ولا يهمهم السؤال عن هذه الأشياء؛ وهذا لأنهم يعتقدون أن هذه الأشياء لا علاقة لها بتمتعهم بنعمة الله، فهُم لا يهتمون إلا بإله يمنحهم النعمة، ويرتبط بمصالحهم الشخصية. ليس لديهم أي اهتمام بأي شيء آخر؛ ولذا لا يمكنهم الدخول إلى واقعية الحق، بغض النظر عن عدد السنين التي آمنوا بالله فيها. فمن دون أن يسقيهم أو يطعمهم أي أحد في أغلب الأحيان، من الصعب عليهم الاستمرار في طريق الإيمان بالله. إنْ لم يستطيعوا أن يستمتعوا بفرحهم وسلامهم السابق، أو يتمتعوا بنعمة الله، فإنهم يكونون عُرضة للتراجع بشدة. هذا هو النوع الثاني من الأشخاص: الأشخاص الموجودون في مرحلة "الطفل الرضيع".

النوع الثالث: مرحلة "الطفل الفطيم" – مرحلة الطفل الصغير

تملك هذه الفئة من الناس بعض الوعي الواضح. يدرك هؤلاء الناس أنَّ الاستمتاع بنعمة الله لا يعني أنهم هم أنفسهم يمتلكون خبرةً حقيقيةً؛ فهم يُدركون أنهم إن لم يتعبوا في السعي للفرح والسلام، والسعي من أجل الحصول على النعمة، أو أنهم إن كانوا قادرين على تقديم الشهادة من خلال مشاركتهم خبراتهم في التمتع بنعمة الله، أو من خلال امتداح النعم التي منحهم الله إياها، فهذه الأشياء لا تعني أنهم امتلكوا الحياة، أو أنهم امتلكوا واقع الحقيقة. وينطلقون من وعيهم، فيتوقفون عن التعلل بآمالهم الجامحة في ألّا يصحبهم سوى نعمة الله، وبالأحرى، فإنهم – حينما يتمتعون بنعمة الله – يرغبون في الوقت نفسه في أنْ يفعلوا شيئًا من أجل الله، حيث يكونون على استعداد لتأدية واجبهم، وتحمُّل شيء من المشقة والتعب، وأن تكون لهم درجة من التعاون مع الله. لكن نظراً لأن ممارستهم في الإيمان بالله تُعد مغشوشة جدًا، بسبب أنَّ نواياهم الشخصية ورغباتهم التي يخفونها قوية جدًا، ولأنَّ شخصيتهم جامحة متغطرسة بشدة، فمن الصعب عليهم أنْ يُرضوا رغبة الله، أو أن يكونوا أوفياء لله، وبالتالي، لا يستطيعون في الغالب إدراك رغباتهم الفردية، أو أن يفوا بوعودهم لله. إنهم غالبًا ما يجدون أنفسهم في حالاتٍ متناقضة؛ فهم يرغبون بشدة في إرضاء الله إلى أقصى درجة ممكنة، ومع ذلك يستخدمون كل قوتهم لمعارضته. غالبًا ما يقدمون نذوراً لله ولكن سرعان ما ينكثون عهودهم. حتى إنهم في أغلب الأحيان يجدون أنفسهم في حالاتٍ أخرى متعارضة: إنهم يؤمنون بإخلاص ومع ذلك ينكرون الله أو أي شيء يأتي منه؛ فهم يأملون بقلقٍ أن ينيرهم الله، ويقودهم، ويدعمهم ويساعدهم، لكنهم ما زالوا يبحثون عن مخرج لهم. إنهم يتمنون أن يفهموا الله، ويعرفوه، ولكنهم غير راغبين في القرب منه. وبدلًا من ذلك، يتجنبون الله، وقلوبهم مُغلقة تجاهه. وفي الوقت الذي يمتلكون فيه فهمًا وخبرة سطحيّين بالمعنى الحرفي لكلمات الله والحق، ومفهوماً سطحياً عن الله والحق، فهم ما زالوا لا يستطيعون لا شعوريًا أنْ يؤكدوا أو يحددوا ما إذا كان الله هو الحق؛ كما لا يمكنهم أنْ يجزموا ما إذا كان الله بارّاً حقّاً، ولا أن يُحددوا واقعية شخصية الله وجوهره، ناهيكَ عن وجوده الحقيقي. يحتوي إيمانهم بالله على شكوك ومفاهيم مغلوطة، ويحتوي أيضًا على تصورات وتخيُلات. وكما يتمتعون بنعمة الله، فإنهم يختبرون على مضض أو يمارسون بعضاً مما يعتقدون أنه حقائق يمكن تطبيقها عمليًا، وذلك من أجل إثراء معتقدهم، ولكي يعززوا خبرتهم في الإيمان بالله، ويتحققوا من فهمهم للإيمان بالله، ويُرضوا كبرياءهم للسير في درب الحياة الذي صنعوه بأنفسهم، وإنجاز قضية صالحة للجنس البشري. وهم في الوقت نفسه يفعلون هذه الأشياء أيضًا من أجل إشباع رغباتهم الخاصة كي يحصلوا على البركات، ومن أجل أنْ يعملوا على تقديم بركات عظيمة للإنسانية، ولكي يحققوا الطموحات والتطلعات، والرغبة طويلة الأمد في عدم الراحة حتى يكسبوا الله. هؤلاء الناس نادرًا ما يكونون قادرين على تلقي استنارة الله؛ لأن رغبتهم ومقصدهم في الحصول على البركات هي الأهم بالنسبة إليهم. إنهم لا يرغبون ولا يحتملون التخلي عن ذلك. فهم يخشون أنهم بدون الرغبة في الحصول على البركات، ودون الطموح الذي راودهم طويلاً بأنهم لن يستريحوا حتى يحظوا بالله، سيفقدون الدافع للإيمان بالله، ولذلك فهم لا يرغبون في مواجهة الواقع، أو مواجهة كلمات الله أو عمل الله. إنهم لا يرغبون في مواجهة شخصية الله أو جوهره، ناهيكَ عن إثارة موضوع معرفة الله؛ ذلك أنه بمجرد أن يَحِلَّ الله وجوهرُه، وشخصيته البارة، محل تخيلاتهم، ستتطاير أحلامهم كالدخان. إن ما يدعونه الإيمان النقي "واستحقاقاته" المتراكمة خلال سنوات من العمل المضني سيتلاشى ويذهب أدراج الرياح، وستغدو أرضهم التي أخضعوها بالعَرَق والدماءِ على مر السنين على شفا الانهيار. وهذا سيدل على أن سنواتهم العديدة من العمل الشاق والجهد المبذول صارت عقيمة، وأنَّ عليهم أنْ يبدؤوا من جديد مرةً أخرى من لا شيء. وهذا هو الألم الأكثر صعوبة بالنسبة إليهم كي يتحملوه في قلوبهم، وهذه هي النتيجة التي لا يرغبون إطلاقًا في رؤيتها؛ ولذا فهم دائمًا عالقون في هذا النوع من الطريق المسدود، ويرفضون العودة إلى الوراء. هذا هو النوع الثالث لهؤلاء الأشخاص: الشخص الموجود في مرحلة "الطفل الفطيم".

الأنواع الثلاثة من الأشخاص المذكورين أعلاه؛ أو بعبارة أخرى، الأشخاص الموجودون في هذه المراحل الثلاث، لا يمتلكون أي إيمان حقيقي بهوية الله، أو مكانته، أو شخصيته البارة، وليس لديهم أي معرفة واضحة ومحددة أو تأكيد لمثل هذه الأشياء. ولذلك، فمن الصعب جدًا على هذه الأنواع الثلاثة من الناس أن تدخل إلى واقعية الحقيقة، وأيضًا من الصعب بالنسبة إليهم أن يستقبلوا رحمة الله، واستنارته، أو نوره؛ لأن طريقة إيمانهم بالله ومواقفهم الخاطئة تِجاه الله تجعل من المستحيل له أن يؤدي عمله داخل قلوبهم. لقد تجاوزت شكوكهم، ومفاهيمهم الخاطئة، وتخيلاتهم فيما يتعلق بالله إيمانهم ومعرفتهم لله. هذه ثلاثة أنواع خطرة للغاية من الناس، فضلًا عن ثلاث مراحل خطرة جدًا. عندما يتخذ المرء موقف الشك تجاه الله وجوهر الله، وهُويِة الله، ومسألة إذا ما كان الله هو الحق، وواقعية وجوده، ولا يستطيع أن يوقن بهذه الأشياء، فكيف للإنسان أن يتقبل كل شيء يأتي من الله؟ كيف للمرء أن يتقبل حقيقة أنَّ الله هو الحق، وهو الطريق، والحياة؟ كيف للمرء أن يقبل توبيخ الله ودينونته؟ كيف للمرء أنْ يتقبل خلاص الله؟ كيف يُمكن لهذا النوع من الأشخاص أن يحصل على إرشاد الله الحقيقي ودعمه؟ يستطيع أولئك الذين هم في هذه المراحل الثلاث أن يُقاوموا الله أو يدينوه أو يجدفوا عليه أو يخونوه في أي وقت. يمكنهم أنْ يتخلوا عن الطريق الحق ويهجروا الله في أي وقت. يمكن القول بأن الناس في هذه المراحل الثلاثة موجودون في فترة حرجة؛ لأنهم لم يسلكوا المسار الصحيح للإيمان بالله.

النوع الرابع: مرحلة "الطفل الناضج"، أو الطفولة

بعد الفطام – أي بعد الاستمتاع بكمية وفيرة من النعمة، يبدأ الإنسان باستكشاف ما يعنيه الإيمان بالله، ثم يتمنى أن يفهم أسئلة مختلفة؛ مثل لماذا يحيا الإنسان، وكيف ينبغي أن يحيا، ولماذا يصنع الله عمله على الإنسان. عندما تنشأ هذه الأفكار غير الواضحة والمفاهيم المشوشة وتوجد داخلهم، فإنهم يستقبلون الارتواء باستمرار، ويكونون قادرين أيضًا على أداء واجباتهم. لم يعد لديهم شك أثناء هذه الفترة في حقيقة وجود الله، ولديهم فهم دقيق لما يعنيه الإيمان بالله. على هذا الأساس يكون لديهم معرفة متدرجة بالله، ويحصلون بالتدريج على بعض الإجابات عن أفكارهم غير الواضحة ومفاهيمهم المشوشة حول شخصية الله وجوهره. أما فيما يتعلق بالتغيرات في شخصيتهم، وأيضًا في معرفتهم بالله، يبدأ الناس في هذه المرحلة بالسير في الطريق الصحيح والدخول في مرحلة انتقالية، وفي اقتناء الحياة. إن الدلالات الواضحة على اقتناء الحياة هي الحل التدريجي لمختلف الأسئلة التي تتعلق بمعرفة الله التي يحملها الناس في قلوبهم؛ مثل سوء الفهم، والتصورات، والمفاهيم، والتعريفات المبهمة عن الله؛ فهم لا يؤمنون حقاً ويعرفون حقيقة وجود الله فحسب، بل يمتلكون أيضًا تعريفًا وتوجهًا واضحين لله في قلوبهم، وهو أن الاتباع الحقيقي لله يحل محل إيمانهم المبهم. وخلال هذه المرحلة، يتعرف الناس تدريجيًا على مفاهيمهم الخاطئة عن الله وممارستهم الخاطئة وطرق الإيمان، ويبدأون في التماس الحقيقة، ويتوقون لاختبار الدينونة والتوبيخ والتأديب من الله اشتياقًا للتغيير في شخصيتهم. فهم يتخلون بالتدريج عن كل أنواع التصورات والخيالات عن الله أثناء هذه المرحلة، وفي الوقت نفسه يتغيرون ويعدلون معرفتهم غير الصحيحة عن الله ويكتسبون بعض المعرفة الأساسية عن الله. وعلى الرغم من أن قسط المعرفة الذي يمتلكه الناس في هذه المرحلة محدد أو دقيق للغاية، فإنهم يبدؤون على الأقل في التخلي عن تصوراتهم بالتدريج ومعرفتهم الخاطئة وسوء فهمهم لله، ولا يعودون يحفظون ما لديهم من مفاهيم وتصورات عن الله. فهم يبدؤون تعلم كيفية التخلي – التخلي عن الأشياء التي وجدت ضمن مفاهيمهم من المعرفة ومن الشيطان، ويستعدون للخضوع للأشياء الصحيحة والإيجابية، حتى تلك الأشياء التي مصدرها كلمات الله وتنسجم مع الحق. وأيضًا يبدأون السعي لاختبار كلام الله ليتعرفوا على كلامه وينفذوه بشكل شخصي، وليقبلوا كلماته باعتبارها مبادئ لأعمالهم وأساس تغيير شخصيتهم. يقبل الناس خلال هذه الفترة ودون وعي دينونة الله وتوبيخه، ويقبلون بلاوعي أيضاً كلماته باعتبارها حياتهم. وفي الوقت الذي يقبلون فيه من الله دينونته وتوبيخه وكلامه، فإنهم يزدادون وعيًا وقدرة على إدراك أن الله الذي يؤمنون به في قلوبهم موجود حقًا. ويتزايد شعورهم – من خلال كلمات الله، وخبراتهم، وحياتهم – بأن الله يدبر مصير الإنسان، ويقوده، ويسدّ احتياجاته. من خلال ارتباطهم بالله، يؤكدون وجوده تدريجيًا. لذلك، سرعان ما وافقوا لا شعوريًا – دون إدراك منهم لذلك – وآمنوا إيمانًا راسخًا بعمل الله وأقروا بكلماته. فبمجرد أن يقر الناس بكلمات الله وبعمله، ينكرون أنفسهم دوماً، وينكرون تصوراتهم ومعرفتهم وتخيلاتهم، ويبحثون في الوقت نفسه دون توقف عن ماهية الحق وماهية إرادة الله. إن معرفة الناس بالله سطحية تماماً خلال هذه الفترة من النمو؛ فهم غير قادرين حتى على التعمق في هذه المعرفة بشكل واضح باستخدام الكلمات، ولا يستطيعون التوسع فيها بالذات، وليس لديهم سوى فهم متبصر، غير أنه عند المقارنة مع المراحل الثلاث السابقة، فإن حياة الناس غير الناضجة في هذه الفترة قد ارتوت وزُودت بكلمات الله وبدأت تنمو بالفعل؛ فهي مثل بذرة مدفونة في الأرض، وبعد حصولها على الرطوبة والمواد الغذائية، تخترق التربة، ويمثل إنباتها ميلاد حياة جديدة. إن هذا الميلاد للحياة الجديدة يسمح للمرء أن يلمح مؤشرات الحياة. سينمو الناس بهذه الطريقة بالحياة، ولذلك – وبناء على هذه الأسس – يتجهون تدريجيًا نحو الطريق الصحيح للإيمان بالله والتخلي عن مفاهيمهم الخاطئة، نائلين إرشاد الله. ستنمو حتمًا حياة البشر خطوة بخطوة، على أي أساس يقاس هذا النمو؟ إنه يقاس وفقًا لاختبارهم كلمات الله وفهمهم الحقيقي لشخصية الله البارة. وعلى الرغم من أنهم يجدون صعوبة كبيرة في استخدام كلماتهم الخاصة ليصفوا معرفتهم بالله وجوهره بدقة خلال هذه الفترة من النمو، فإن هذه المجموعة من الناس لم تعد مستعدة بشكل ذاتي للسعي إلى السرور من خلال الاستمتاع بنعمة الله، أو السعي نحو الهدف من الإيمان بالله، وهو الحصول على نعمته. بدلًا من ذلك، هم على استعداد للبحث عن العيش بكلمة الله، ليصبحوا موضوع خلاص الله. وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم يملكون الثقة ومستعدون لقبول دينونة الله وتوبيخه؛ هذه هي علامة الإنسان في مرحلة النمو.

على الرغم من أن الناس في هذه المرحلة يمتلكون بعض المعرفة عن شخصية الله البارة، فإن هذه المعرفة مبهمة للغاية وباهتة. وفي حين أنهم لا يستطيعون تفصيل ذلك بوضوح، فهم يشعرون أنهم قد اكتسبوا شيئًا ما داخليًا، لأنهم حصلوا على قدر من المعرفة والفهم لشخصية الله البارة من خلال توبيخ الله ودينونته، لكنها كلها سطحية إلى حد ما، وما تزال في مرحلة تمهيدية. لدى هذه المجموعة من الناس وجهة نظر ثابتة يتعاملون بها مع نعمة الله. وقد عبرت التغيرات في الأهداف التي يسعون إليها والطريقة التي يتبعونها عن وجهة النظر هذه. لقد رأوا بالفعل – في كلمات الله وعمله، وفي كل أنواع مطالبه من الإنسان وفي إعلاناته للإنسان – أنهم إن كانوا مازالوا لا يبتغون الحقيقة، ومازالوا لا يسعون لدخول الواقع، وإن كانوا لا يسعون لإرضاء الله ومعرفته بينما يختبرون كلماته، فإنهم سيفقدون أهمية الإيمان بالله. إنهم يرون أنه بغض النظر عن مدى تمتعهم بنعمة الله، فإنهم لا يستطيعون تغيير شخصيتهم، أو إرضاء الله، أو معرفة الله، وأنه إذا عاش الناس باستمرار في نعمة الله، فلن يحققوا النمو أبدًا أو الحصول على الحياة أو القدرة على قبول الخلاص. باختصار، إذا لم يكن المرء قادراً حقًا على اختبار كلمات الله، وغير قادر على معرفة الله من خلال كلماته، فسيبقى الإنسان في مرحلة الرضيع إلى الأبد، ولن يقوم بخطوة واحدة أبدًا في نمو حياة الإنسان. إذا ظللت للأبد في مرحلة الطفل الرضيع، ولم تدخل إلى حقيقة كلمة الله، ولم تمتلك كلمة الله كامتلاكك لحياتك، وإن لم يكن لديك إيمان حقيقي ومعرفة بالله، فهل ستكون ثمة إمكانية لأن يكملك الله؟ من أجل هذا، فإن من يدخل إلى حقيقة كلمة الله، وكل من يقبل كلمة الله باعتبارها حياته، وكل من يبدأ تقبل توبيخ الله ودينونته، وكل من تبدأ شخصيته الفاسدة بالتغير، وكل من له قلب يسعى للحق، ولديه رغبة لمعرفة الله ولقبول خلاص الله – هؤلاء هم الذين يملكون حقًا الحياة. هذا هو في الحقيقة النوع الرابع من الأشخاص، الطفل الناضج، الشخص في مرحلة الطفولة.

النوع الخامس: مرحلة "الحياة الناضجة"، أو مرحلة الرشد

بعد اختبار مرحلة المشي في الطفولة، تلك المرحلة المليئة بالانتكاسات المتكررة، تستقر بالفعل حياة الناس، ولا تعود تتوقف خطواتهم في المشي، ولا يستطيع أحد أن يعيق سيرهم. وبالرغم من أن الطريق مازال صعبًا ووعرًا، فإنهم لم يعودوا ضعفاء أو خائفين، ولم يعودوا يتعثرون أو يفقدون اتجاهاتهم. لقد ضربت أساساتهم بجذورها في العمق من خلال الاختبار الحقيقي لكلمة الله. لقد جذب مجد الله وعظمته قلوبهم، وهم يتوقون إلى اتباع خطوات الله، ليعرفوا جوهر الله، وليعرفوا الله كليًا.

يعرف الناس بالفعل وبصورة واضحة بمن يؤمنون، ويعرفون بوضوح لماذا يجب أن يؤمنوا بالله، ومعاني الحياة الخاصة لكل منهم، ويعرفون بوضوح أيضًا أن كل ما يعبر الله عنه هو الحق. كما يدركون في سنوات خبرتهم الطويلة أنه من دون دينونة الله وتوبيخه لن يتمكن الإنسان من إرضاء الله أو معرفته، كما أنه لن يستطيع أن يقف أمام الله. وتكمن في قلوب هؤلاء الناس رغبة قوية في أن يختبرهم الله لكي يروا شخصية الله البارة أثناء اختبارهم، ليصلوا إلى محبة أكثر نقاء، وفي الوقت نفسه ليكونوا أكثر قدرة على فهم الله ومعرفته حقًا. إن هؤلاء الذين ينتمون إلى هذه المرحلة قد ودعوا بالكامل مرحلة الرضيع، وهي مرحلة الاستمتاع بنعمة الله وأكل الخبز والشبع. لم يعودوا يعلقون آمالًا عريضة على أن يسامحهم الله أو أن يُظهر رحمة نحوهم. بل بالأحرى هم واثقون في أنهم سيتلقون التوبيخ والدينونة من الله ويرجون ذلك، حتى يفصلوا أنفسهم عن شخصيتهم الفاسدة وينالوا رضى الله. إن معرفتهم بالله، ومساعيهم أو الأهداف النهائية لمساعيهم: هذه الأشياء جميعها واضحة في قلوبهم. ولذلك، فإن الناس في مرحلة الرشد قد ودعوا تمامًا الإيمان المبهم، إلى المرحلة التي يعتمدون فيها على النعمة من أجل الخلاص، ثم إلى المرحلة غير الناضجة التي لا يمكن أن تصمد أمام التجارب، ثم إلى المرحلة الضبابية ثم مرحلة التحسس، إلى مرحلة عدم إيجاد المسار الذي يسلكه بشكل متكرر، إلى فترة غير مستقرة من التناوب بين الحرارة المفاجئة والرطوبة، إلى المرحلة التي يتبع فيها الإنسان الله وهو مغمض العينين. يتلقى هذا النوع من الأشخاص استنارة الله وضياءه بشكل متكرر، وكثيرًا ما ينخرط في ارتباط وتواصل حقيقي مع الله. يمكن القول إن الناس الذين يعيشون في هذه المرحلة قد أدركوا بالفعل جزءًا من إرادة الله؛ فهم قادرون على إيجاد مبادئ الحق في كل ما يفعلونه، وهم يعرفون كيف يرضون رغبة الله. والأكثر من ذلك، أنهم وجدوا أيضًا الطريق إلى معرفة الله وبدأوا يشهدون بمعرفتهم لله. أثناء عملية النمو التدريجي، يكون لديهم فهم تدريجي ومعرفة بإرادة الله، في خلق البشر، ومشيئة الله في تدبير البشرية، وبالإضافة إلى ذلك، لديهم أيضًا فهم تدريجي ومعرفة لشخصية الله البارة من حيث الجوهر. لن تستطيع المفاهيم أو التصورات البشرية أن تحل محل هذه المعرفة. وفي حين لا يمكن القول بأن المرحلة الخامسة من حياة الشخص ناضجة تمامًا أو وصف هذا الشخص بأنه بار أو كامل، فإنه قد اتخذ بالفعل خطوة نحو النضج في الحياة. لقد أصبح هذا الشخص قادرًا على أن يأتي أمام الله، ويقف وجهًا لوجه مع الله ومع كلمته. ولأن مثل هذا النوع قد اختبر الكثير جدًا من كلمة الله، ومر بعدد لا يحصى من الخبرات، واختبر حالات لا حصر لها من التأديب والدينونة والتوبيخ من الله، فإن خضوعهم لله ليس نسبيًا بل مطلقًا. لقد تحولت معرفتهم بالله من اللاوعي إلى معرفة واضحة ودقيقة، ومن السطح إلى العمق، ومن الباهتة والضبابية، إلى شديدة الدقة والملموسة، وتحولوا من البحث المضني والسعي الشاق والسلبي إلى المعرفة الهينة والشهادة الفعالة. يمكن القول إن الناس في هذه المرحلة قد اقتنوا مصداقية حق كلمة الله، واتخذوا خطوة نحو طريق الكمال مثل بطرس. هذا هو النوع الخامس من الأشخاص الذين يعيشون في حالة من النضج: مرحلة الرشد.

– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (ب)

اترك رد