Read more!
Read more!

الله يرى التوبة الصادقة في صميم قلوب أهل نينوى

التباين الصارخ في نينوى ورد فعل سدوم على تحذير يهوه الله

ماذا يعني الإطاحة بها؟ بالاصطلاح العامّي، يعني ذلك أن تختفي. لكن بأي طريقة؟ من يستطيع الإطاحة بمدينة بأكملها؟ بالطبع، من المستحيل أن يقوم الإنسان بمثل هذا الفعل. هؤلاء الناس لم يكونوا حمقى، فبمجرد سماع هذا الإعلان، وصلتهم الفكرة. كانوا يعرفون أنه قد جاء من الله، كما كانوا يعلمون أن الله سوف يؤدي عمله، علموا أيضًا أن شرهم قد أغضب يهوه الله وجلب غضبه عليهم، حتى يتم تدميرهم قريبًا مع مدينتهم. كيف تصرف أهل المدينة بعد الاستماع إلى تحذير يهوه الله؟ يصف الكتاب المقدس بتفاصيل محددة كيف تفاعل هؤلاء الناس، بداية من ملكهم إلى عامة الناس، كما هو مسجل في الكتاب المقدس: "فَآمَنَ أَهْلُ نِينَوَى بِٱللهِ وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ. وَبَلَغَ ٱلْأَمْرُ مَلِكَ نِينَوَى، فَقَامَ عَنْ كُرْسِيِّهِ وَخَلَعَ رِدَاءَهُ عَنْهُ، وَتَغَطَّى بِمِسْحٍ وَجَلَسَ عَلَى ٱلرَّمَادِ. وَنُودِيَ وَقِيلَ فِي نِينَوَى عَنْ أَمْرِ ٱلْمَلِكِ وَعُظَمَائِهِ قَائِلًا: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. وَلْيَتَغَطَّ بِمُسُوحٍ ٱلنَّاسُ وَٱلْبَهَائِمُ، وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ".

بعد سماع إعلان يهوه الله، أبدى أهل نينوى موقفًا مخالفًا تمامًا لأهالي سدوم، فقد عارض أهل سدوم علانية الله، ومضوا قدمًا من شر إلى شر، ولكن بعد سماع هذه الكلمات، لم يتجاهل أهل نينوى الأمر، ولم يقاوموا، ولكن بدلًا من ذلك، آمنوا بكلام الله وأعلنوا صيامًا. ما الذي تشير إليه كلمة "آمنوا" هنا؟ الكلمة نفسها تشير إلى الإيمان والخضوع. إذا استخدمنا سلوك أهل نينوى الفعلي لشرح هذه الكلمة، فهذا يعني أنهم صدقوا أن الله يستطيع أن يفعل ما قاله وأنه سوف يفعل ما قاله، وأنهم مستعدون للتوبة. هل شعر أهل نينوى بالخوف من مواجهة كارثة وشيكة؟ كان إيمانهم هو أنهم وضعوا الخوف في قلوبهم. حسنًا، ماذا يمكننا أن نستخدم لإثبات إيمان أهل نينوى وخوفهم؟ إنه كما يقول الكتاب المقدس: "وَنَادَوْا بِصَوْمٍ وَلَبِسُوا مُسُوحًا مِنْ كَبِيرِهِمْ إِلَى صَغِيرِهِمْ". هذا يعني أن أهل نينوى آمنوا حقًا، وأن هذا الإيمان جاء خوفًا، مما أدى إلى الصيام وارتداء قماش الخيش. هكذا أظهروا بدايةَ توبَتِهمْ. في تناقض تام مع أهل سدوم، فإن أهل نينوى لم يعارضوا الله، بل إنهم أيضًا أظهروا بوضوح تام التوبة من خلال سلوكهم وأفعالهم. بالطبع، لم ينطبق هذا على عامة الناس في نينوى فحسب؛ إذ لم يكن مَلِكُهم استثناء من ذلك.

توبة ملك نينوى تحظى بالثناء من يهوه الله

عندما سمع ملك نينوى هذا الخبر، نهض من عرشه، وخلع ثوبه، وألبس نفسه المسوح، وجلس في الرماد، ثم أعلن أنه لن يُسمح لأي شخص في المدينة بتذوق أي شيء، وأن المواشي والخراف والثيران لن ترعى أو تشرب الماء. كان على الإنسان والماشية على حد سواء أن يلبسوا مسوحًا، وكان الناس يتضرعون بجدية إلى الله، كما أعلن الملك أيضاً أن كل واحد منهم سيبتعد عن طرقه الشريرة ويتخلى عن الظلم الذي في يديه. انطلاقًا من هذه السلسلة من الأعمال، أظهر ملك نينوى توبته الصادقة، كما أن سلسلة الإجراءات التي اتخذها – بدءًا من قيامه عن عرشه، وإلغاء ثوب ملكه، وارتدائه المسوح وجلوسه في الرماد – تخبر الناس أن ملك نينوى وضع جانبًا وضعه الملكي وارتدى مسحًا جنبًا إلى جنب مع عامة الناس. هذا يعني أن ملك نينوى لم يشغل منصبه الملكي لمواصلة طريقه الشرير أو الظلم الذي في يديه بعد سماع إعلان يهوه الله، ولكنه بدلًا من ذلك، وضع جانًبا السلطان التي كان يتولاه وتاب أمام يهوه الله. في هذه اللحظة لم يكن ملك نينوى يتوب باعتباره ملكًا، لقد جاء أمام الله ليعترف ويتوب عن خطاياه باعتباره تابعًا عاديًا لله. علاوة على ذلك، أمر المدينة كلها أن تعترف وتتوب من ذنوبها أمام يهوه الله بنفس الطريقة. بالإضافة إلى ذلك، كان لديه خطة محددة لكيفية القيام بذلك، كما هو موضح في الكتاب المقدس: "لَا تَذُقِ ٱلنَّاسُ وَلَا ٱلْبَهَائِمُ وَلَا ٱلْبَقَرُ وَلَا ٱلْغَنَمُ شَيْئًا. لَا تَرْعَ وَلَا تَشْرَبْ مَاءً. … وَيَصْرُخُوا إِلَى ٱللهِ بِشِدَّةٍ، وَيَرْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ ٱلرَّدِيئَةِ وَعَنِ ٱلظُّلْمِ ٱلَّذِي فِي أَيْدِيهِمْ". يتمتع الملك بمكانة وقوة عليا بحكم منصبه كحاكم المدينة، ويمكنه فعل أي شيء يرغب فيه. عندما واجه إعلان يهوه الله، كان يمكنه أن يتجاهل الأمر أو ببساطة يندم ويعترف بذنوبه لوحده. وفيما يتعلق بالناس في المدينة هل يختارون التوبة أم لا، فقد كان بإمكانه تجاهل المسألة بالكامل. لكن ملك نينوى لم يفعل ذلك مطلقًا. لم يكتفِ بأن قام عن عرشه، وارتدى المسوح والرماد، واعترف وتاب عن خطاياه أمام يهوه الله، بل أمر أيضاً جميع الناس والماشية داخل المدينة بأن تفعل الشيء نفسه. حتى إنه أمر الناس بأن "يصرخوا إلى الله بشدة" من خلال هذه السلسلة من الأعمال، حقق ملك نينوى بالفعل ما يجب على الحاكم القيام به؛ سلسلة أعماله هي سلسلة يصعب على أي ملك في تاريخ البشرية أن يحققها، وهي أيضًا سلسلة لم يحققها أحد آخر. هذه الأعمال يمكن أن تسمى تعهدات غير مسبوقة في تاريخ البشرية؛ فهي جديرة بأن يتم تخليدها والاقتداء بها من قبل البشر. منذ فجر الإنسانية، قاد كل ملك رعاياه لمقاومة الله ومعارضته. لم يسبق لأحد أن قاد رعاياه إلى التضحية لله لطلب الفداء من شرهم، والحصول على عفو يهوه الله وتجنب العقوبة الوشيكة. غير أن ملك نينوى تمكن من قيادة رعاياه للتوجه إلى الله، وترك طرقهم الشريرة، والتخلي عن الظلم الذي في أيديهم. علاوة على ذلك، كان قادرًا أيضًا على وضع عرشه جانبًا، وفي المقابل، عاد يهوه الله وندم ورجع عن غضبه، فسمح لأهل المدينة بالبقاء وحفظهم من الدمار. لا يمكن وصف أعمال الملك إلا بأنها معجزة نادرة في تاريخ البشرية؛ حتى يمكن أن يطلق عليهم أنهم نموذج للإنسانية الفاسدة التي تعترف بخطاياها وتتوب عنها أمام الله.

الله يرى التوبة الصادقة في صميم قلوب أهل نينوى

بعد الاستماع إلى إعلان الله، أجرى ملك نينوى ورعيته سلسلة من الأفعال. ما هي طبيعة سلوكهم وأفعالهم؟ بمعنى آخر، ما هو جوهر مجمل سلوكهم؟ لماذا فعلوا ما فعلوه؟ في نظر الله كانوا قد تابوا بإخلاص، ليس فقط لأنهم تضرعوا إلى الله بصدق واعترفوا بخطاياهم أمامه، بل لأنهم أيضًا تخلوا عن سلوكهم الشرير. تصرفوا بهذه الطريقة لأنهم بعد سماع كلمات الله، كانوا خائفين بشكل لا يصدق، واعتقدوا أنه سيفعل ما قاله. فقد لجأوا إلى الصيام، وارتداء المسوح والجلوس في الرماد، رغبة في التعبير عن استعدادهم لإصلاح طرقهم والامتناع عن الشر، والصلاة إلى يهوه الله لكي يكبح غضبه، والتوسل إلى يهوه الله ليرجع عن قراره وعن الكارثة الوشيكة التي كانت ستصيبهم. يمكننا – من خلال تدقيق مجمل سلوكهم – أن نرى أنهم أدركوا بالفعل أن أفعالهم الشريرة السابقة كانت بغيضة لدى يهوه الله، وأنهم فهموا لماذا يوشك الله على إهلاكهم. لهذه الأسباب، كانوا جميعًا يرغبون في التوبة تمامًا، والابتعاد عن طرقهم الشريرة والتخلي عن الظلم الذي في أيديهم. بعبارة أخرى، بمجرد علمهم بإعلان يهوه الله، شعر كل واحد منهم بالخوف في قلبه، فلم يعودوا يواصلون سلوكهم الشرير، أو يستمرون في ارتكاب تلك الأعمال التي يكرهها يهوه الله. بالإضافة إلى ذلك، تضرعوا إلى يهوه الله أن يغفر خطاياهم الماضية، وألا يعاملهم حسب أفعالهم السابقة. كانوا مستعدين لعدم الانخراط مرة أخرى في الشر، وللعمل وفقًا لتعليمات يهوه الله، فقط لو لم يغضبوا يهوه الله مرة أخرى. كانت توبتهم صادقة وشاملة؛ فلقد جاءت من صميم قلوبهم ولم تكن تظاهرًا، كما لم تكن مؤقتة.

بمجرد أن علم أهل نينوى، بداية من الملك الأعلى إلى رعاياه، أن يهوه الله غاضب منهم، أصبح كل فعل من أفعالهم وكل سلوك من سلوكهم، وكذلك كل قرار من قراراتهم وخياراتهم، واضحة جليّة في نظر الله. وتغير قلب الله وفقًا لسلوكهم. ماذا كان مزاج الله في تلك اللحظة بالذات؟ يمكن للكتاب المقدس أن يجيبك عن هذا السؤال. كما هو مسجل في الكتاب المقدس: "فَلَمَّا رَأَى ٱللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ ٱلرَّدِيئَةِ، نَدِمَ ٱللهُ عَلَى ٱلشَّرِّ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ، فَلَمْ يَصْنَعْهُ". على الرغم من أن الله غير رأيه، لم يكن هناك شيء معقد حول مزاجه؛ فقد انتقل ببساطة من التعبير عن غضبه إلى تهدئة غضبه، ثم قرر عدم جلب الكارثة على مدينة نينوى. السبب في أن قرار الله تجنيب نينوى الكارثة كان سريعًا هو أن الله قد لاحظ قلب كل شخص في نينوى. لقد رأى ما احتفظوا به في أعماق قلوبهم: اعترافهم الصادق والتوبة عن خطاياهم، وإيمانهم الصادق به، وإحساسهم العميق بكيف أن أفعالهم الشريرة قد أغضبت شخصيته، والخوف الناتج من عقاب يهوه الله الوشيك. في نفس الوقت، سمع يهوه الله صلوات من أعماق قلوبهم تتوسل إليه أن يكف عن غضبه عليهم حتى يتجنبوا هذه الكارثة. عندما لاحظ الله كل هذه الحقائق، اختفى غضبه شيئًا فشيئًا. وبغض النظر عن مدى غضبه العظيم في السابق، عندما رأى التوبة الصادقة في أعماق قلوب هؤلاء الناس تأثر قلبه بهذا، ولم يستطع تحمل الكارثة عليهم، ولم يعد غاضبًا عليهم. وبدلًا من ذلك استمر في مد رحمته وتسامحه تجاههم واستمر في إرشادهم وتزويدهم.

من "الله ذاته، الفريد (ب)" في "الكلمة يظهر في الجسد"

Share