ونظرًا إلى أنه توجد تطورات جديدة دائمًا في عمل الله، إذًا، يوجد عمل جديد. وبالتالي، ثمة أيضًا عمل عتيق وقديم. إن هذا العمل القديم والجديد ليس متناقضًا بل متكاملاً. فكل خطوة مكمِّلة للأخيرة. ونظرًا إلى أنه ثمة عمل جديد، لا شك في أنه ينبغي إزالة الأشياء القديمة. وعلى سبيل المثال، إن بعض ممارسات الإنسان القديمة العهد والأقوال المألوفة التي تترافق مع سنوات عديدة من الاختبارات والتعاليم قد شكّلت جميع أنواع المفاهيم في عقل الإنسان. ولكن ما ساهم بشكل أكبر في تشكيل هذه المفاهيم لدى الإنسان هو أن الله لم يكشف تمامًا للإنسان عن وجهه الحقيقي وشخصيته المتأصلة حتى الآن، بالإضافة إلى انتشار النظريات التقليدية على مر السنوات منذ العصور القديمة. إنه لمن المنصف القول إنه، في خلال مسيرة إيمان الإنسان بالله، أدّى تأثير مفاهيم متنوعة إلى تشكيلٍ وتطوّرٍ مستمر لمعرفة لدى الإنسان تنطوي على كل أنواع المفاهيم عن الله. ونتيجةً لذلك، فإن العديد من الأشخاص المتدينين الذين يخدمون الله قد أصبحوا أعداءه. وهكذا، كلما كانت مفاهيم الناس الدينية أقوى، عارضوا الله أكثر وأصبحوا أعداء له أكثر. إن عمل الله دائمًا جديد وغير قديم أبدًا، ولا يشكّل أبدًا عقيدة، بل يتغير ويتجدد باستمرار بقدر أكبر أو أقل. وهذا العمل هو تعبير عن شخصية الله نفسه المتأصلة. كما أنه تعبير عن مبدأ متأصل في عمل الله وإحدى الوسائل التي يحقق الله من خلالها تدبيره. لو لم يعمل الله بهذه الطريقة، لما تغيّر الإنسان أو تمكّن من معرفة الله ولما كان الشيطان قد هُزم. ولذلك، تطرأ باستمرار تغييرات على عمله تبدو عشوائية، ولكنها في الواقع منتظمة. إلا أن الطريقة التي يؤمن بها الإنسان بالله مختلفة تمامًا. فالإنسان يتمسك بالعقائد والأنظمة القديمة والمألوفة. وبقدر ما تكون قديمة، بقدر ما يستسيغها. كيف يمكن لإنسان ذي عقلٍ جاهل ومتصلّب كالصخر أن يقبل هذا القدر الكبير من كلام الله وعمله الجديد الذي لا يمكن إدراكه؟ يمقت الإنسان الله الذي يتجدد دائمًا ولا يصبح قديمًا أبدًا؛ فهو لا يحب سوى الله القديم الطراز والشائب والجامد. وبالتالي، بما أن لكل من الله والإنسان ما يفضّله، أصبح الإنسان عدوًّ الله. ولا يزال كثير من هذه التناقضات موجوداً حتى اليوم، في وقت كان الله فيه يقوم بعمل جديد لما يقارب الستة آلاف سنة. وقد باتت، إذًا، هذه التناقضات مستعصية، ربما بسبب تعنّت الإنسان أو عدم جواز انتهاك مراسيم الله الإدارية من قبل الإنسان. إلا أن هؤلاء رجال ونساء الدين ما زالوا يتمسكون بالكتب والوثائق القديمة العفنة، في حين أن الله يواصل عمل تدبيره غير المكتمل كما لو لم يكن لديه أحد بجانبه. وعلى الرغم من أن هذه التناقضات تجعل من الله والإنسان عدوّين لا يمكن حتى التوفيق بينهما، لا يكترث الله لهذه التناقضات كما لو أنها، رغم وجودها، غير موجودة. إلا أن الإنسان ما زال يتمسك بمعتقداته ومفاهيمه ولا يتخلّى عنها أبدًا. ولكن، ثمة أمر بديهي. فعلى الرغم من أن الإنسان لا يحيد عن وضعيته، تبقى قدما الله في حركة مستمرة، وهو يغيّر دائمًا وضعيته بحسب البيئة. وفي النهاية، إن الإنسان هو الذي سيُهزم بدون معركة. وفي الوقت نفسه، إن الله هو العدو الأكبر لكل أعدائه الذين هُزموا، وهو أيضًا بطل أولئك الذين هُزموا من البشر والذين لم يُهزموا بعد. من يستطيع أن يتنافس مع الله وينتصر؟ يبدو أن الإنسان يستمدّ مفاهيمه من الله؛ لأن العديد منها أبصر النور نتيجةً لعمل الله. ومع ذلك، لا يغفر الله للإنسان بسبب هذا، كما أنه لا يُغدق مديحه على الإنسان الذي ينتج دفعة تلو الأخرى من منتجات "من أجل الله" تخرج عن عمل الله. وعوضًا عن ذلك، يشعر بالاشمئزاز الشديد من مفاهيم الإنسان ومعتقداته القديمة والتقية، بل ويتجاهل تاريخ ظهور هذه المفاهيم للمرة الأولى، ولا يتقبل أبدًا أن تكون كل هذه المفاهيم ناتجة من عمله؛ لأن مفاهيم الإنسان ينشرها الإنسان؛ ومصدرها هو أفكار الإنسان وعقله وليس الله، بل الشيطان. لطالما قصد الله أن يكون عمله جديدًا وحيًّا، لا قديمًا وميتًا، وما يجعل الله الإنسان متمسّكًا به ليس أبديًّا وغير قابل للتغيير، بل يتغير وفق العصور والفترات؛ هذا لأنه إله يجعل الإنسان يعيش ويتجدد، لا شيطان يجعل الإنسان يموت ويصبح قديمًا. أما زلتم لا تفهمون ذلك؟ لديك مفاهيم عن الله ولا تستطيع التخلي عنها؛ لأنك منغلق في تفكيرك. وهذا لا يعود إلى أن عمل الله يفتقر إلى المنطق أو إلى الإنسانية أو إلى أن الله مهمل دائمًا في واجباته. إنّ ما يجعلك غير قادر على التخلي عن مفاهيمك هو افتقارك الشديد إلى الطاعة، وإلى أنك لا تشبه البتّة مخلوقات الله، وليس لأن الله يصعّب الأمور عليك. وكل هذا تسببتَ به أنت ولا علاقة لله به. كل المعاناة والمأساة سببها الإنسان. إن مقاصد الله دائمًا حسنة: فهو لا يرغب في أن يجعلك تنتج مفاهيم، ولكنه يرغب في أن تتغير وتتجدد مع مرور الزمن. مع أنك لا تميّز الألف من العصا، فأنت تبقى غارقًا إما في الدرس أو في التحليل. هذا لا يعني أن الله يُصعّب الأمور، بل أنت من لا يتّقي الله، وعصيانُك كبير للغاية. يتجرّأ مخلوق صغير على أخذ جزء تافه مما سبق لله أن منحه إياه، فيعكسه ليهاجم به الله، أليس هذا عصياناً من الإنسان؟ ومن الإنصاف القول إن الإنسان غير مؤهل على الإطلاق ليعبّر عن وجهات نظره أمام الله، ناهيك عن ابتكار أي حِكَمٍ عديمة القيمة وفاسدة ونتنة يشعر بها، وهذا أقلّ ما يقال عن تلك المفاهيم المتعفّنة. أوَليست حتى أكثر من عديمة القيمة؟
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الذين يعرفون عمل الله اليوم هم الوحيدون الذين يمكن أن يخدموا الله