رغم حدوث إعلانات طبيعية بعد بداية اتباع بطرس ليسوع، إلا أنه كان في طبيعته من البداية الأولى شخصًا يرغب في الخضوع للروح القدس والسعي وراء المسيح. كانت طاعته للروح القدس نقية؛ فلم يكن يطلب مجدًا أو ثروة، لكنَّ طاعة الحق كانت هي التي تحركه. رغم أن بطرس أنكر معرفته بالمسيح ثلاث مرات، ورغم أنه حاول إثناء الرب يسوع، إلا أن تلك الضعفات البشرية البسيطة لم تكن تَمُت بِصِلَة لطبيعته، ولم تؤثر في سعيه المستقبلي، ولا تثبت بما يكفي أن إثناءه كان عملاً من أعمال المضاد للمسيح. إن الضعفات البشرية العادية من الأمور المشتركة بين كل الناس في العالم، فهل تتوقع من بطرس أي اختلاف؟ أليس لدى الناس آراء معينة حول بطرس لأنه ارتكب عددًا من الأخطاء الحمقاء؟ وأيضًا، أليست الناس مفتونة ببولس إلى هذا الحد بسبب كل العمل الذي قام به والرسائل التي كتبها؟ كيف يستطيع الإنسان أن يرى جوهر الإنسان على حقيقته؟ هل بوسع أولئك الذين يملكون إحساسًا بحق أن يروا شيئًا بهذه التفاهة؟ رغم أن السنوات الطويلة التي قضاها بطرس في تجارب مؤلمة لم تُسجَّل في الكتاب المقدس، فإن هذا لا يثبت أنه لم يكن لبطرس تجارب واقعية، أو أن بطرس لم يُكمَّل. فكيف للإنسان أن يسبر أغوار عمل الله بصورة تامة؟ لم يختر يسوع سجلات الكتاب المقدس بصفة شخصية، لكنها دُوِّنَت بواسطة أجيالٍ لاحقة؛ ألم يكن بذلك كل ما سُجِّل في الكتاب المقدس قد اُختير بحسب فكر الإنسان؟ بل والأكثر من ذلك أن نهايتي بطرس وبولس غير مذكورتين صراحة في الرسائل، لذلك يحكم الإنسان على بطرس وبولس بحسب ما يدركه كل واحد بصفة خاصة وبحسب تفضيلاته الشخصية؛ ومن هذا المنطلق نال بولس ثقة الجموع إذ أنه قام بعملٍ كثير ولأن "إسهاماته" كانت عظيمة. أما يركز الإنسان على الأمور السطحية وحدها؟ كيف يستطيع الإنسان أن يرى جوهر الإنسان على حقيقته؟ ناهيك عن أن بولس بعدما ظل لآلاف السنوات محل عبادة، فمن يجرؤ على إنكار عمله بتهور؟ كان بطرس مجرد صياد سمك، فكيف تكون مساهمته بنفس أهمية مساهمة بولس؟ بناءً على مساهمة كل منهما، كان لا بد أن يُكافأ بولس قبل بطرس، وكان لا بد أن يكون هو المُؤهَّل بصورة أفضل لينال تزكية الله. مَنْ كان يتصور أن الله – في تعامله مع بولس – قد جعله يعمل فحسب من خلال مواهبه، في الوقت الذي كمَّل فيه الله بطرس. لم يكن الأمر مطلقًا أن الرب يسوع قد وضع خططًا لكلٍّ من بطرس وبولس منذ البداية، لكنَّ أحدهما قد كُمِّل والآخر جُعِلَ يعمل كلٍّ بحسب طبيعته الأصلية. لذلك، فإن ما يراه الناس مجرد المساهمات الخارجية للإنسان، لكنَّ ما يراه الله هو جوهر الإنسان، والطريق الذي يسير فيه الإنسان من البداية والدافع من وراء سعي الإنسان. إن الله يقيس الإنسان بحسب تصوراته وبحسب مداركه، بيد أن آخرة الإنسان في النهاية لا تتحدد وفقًا لما يظهره؛ لذلك، أقول إنه إذا كان الطريق الذي تسلكه من البداية هو طريق النجاح، وإذا كانت وجهة نظرك تجاه السعي صحيحة من البداية، فأنت مثل بطرس، أما إذا كان الطريق الذي تسلكه هو طريق الفشل، فمهما كان الثمن الذي تدفعه، ستلاقي نفس آخرة بولس. أيًّا ما كان الحال، فإن مصيرك ونجاحك أو فشلك يحددهما ما إذا كان الطريق الذي تنشده هو الطريق الصحيح أم لا، وليس تكريسك أو الثمن الذي تدفعه. إن جوهر كل من بطرس وبولس والأهداف التي سعيا إلى تحقيقها كانت مختلفة؛ فالإنسان غير قادر على اكتشاف هذه الأشياء، والله وحده هو الذي يستطيع أن يعرفها كليةً؛ ذلك لأن ما يراه الله هو جوهر الإنسان، في الوقت الذي لا يعرف فيه الإنسان شيئًا عن جوهره ذاته. ليس بوسع الإنسان أن يدرك جوهره من الداخل وقامته الفعلية؛ ومن ثم، فليس بوسعه أن يحدد أسباب فشل بولس وبطرس ونجاحهما. السبب في أن أغلب الناس يعبدون بولس وليس بطرس هو أن بولس قد استُخدِمَ من أجل عملٍ عام، وهو العمل الذي يستطيع الإنسان أن يدركه، لذلك أقر الناس "بإنجازات" بولس. أما اختبارات بطرس فغير مرئية للإنسان، وما سعى إليه بطرس لا يدركه الإنسان، لذلك لم يهتم الناس ببطرس.
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه