القائمة

لأعلى التالي

كلمات الله اليومية: الدخول إلى الحياة | اقتباس 480

104 2020-12-27

يقول البعض: "لقد قام بولس بعملٍ هائل، وتحمل أعباء جسيمة من أجل الكنائس وقدم مساهمات كثيرة لها. ظلت رسائل بولس الثلاث عشرة صامدة طوال 2000 عام من عصر النعمة، ولا يسبقها في الأهمية إلا الأناجيل الأربعة. مَنْ ذا الذي يُقارَن به؟ في الوقت الذي لا يستطيع فيه أحدٌ أن يسبر أغوار رؤيا يوحنا، تقدم رسائل بولس الحياة، والعمل الذي قام به نَفَعَ الكنائس. مَنْ غيره كان بوسعه أن ينجز أشياءً كهذه؟ وما العمل الذي قام به بطرس؟" عندما يقيس الإنسان آخرين، فإنه يقيسهم بحسب مساهماتهم. لكن عندما يقيس الله الإنسان، يكون قياسه بحسب طبيعة الإنسان. من بين الذين ينشدون الحياة، كان بولس شخصًا لا يعرف جوهره، ولم يكن متواضعًا أو مطيعًا على الإطلاق، ولم يكن يعرف جوهره الذي كان معارضًا لله؛ لذلك كان شخصًا لم يمر باختبارات تفصيلية ولم يمارس الحق. أما بطرس فقد كان مختلفًا؛ فقد كان يعرف عيوبه وضعفاته وشخصيته الفاسدة كخليقة الله، وكان يسير في طريق الممارسة الذي يغيِّر من خلاله شخصيته. لم يكن بطرس واحدًا من أولئك الذين لا يملكون إلا العقائد دون أي واقعية. الذين يتغيرون يصبحون أناسًا جديدة مُخلَّصَة، إنهم أولئك المؤهلون لطلب الحق. أما أولئك الذين لا يتغيرون فينتمون إلى الناس القديمة بطبيعتها، وهم الذين لم يُخلَّصوا، أي أنهم أولئك الذين مقتهم الله ورفضهم، الذين لن يخلد الله ذكراهم مهما كان عملهم عظيمًا. عندما تقارن هذا بسعيك، فسوف يتضح بشكلٍ جلي ما إذا كنتَ في النهاية شخصًا من نوعية بطرس أم بولس. لو ظل ما تنشده خاليًا من الحق، وإذا كنتَ لا تزال حتى اليوم متعجرفًا ومتغطرسًا مثل بولس تُمجِّد ذاتك خارجيًا كما كان هو، فأنت – من دون شك – شخص فاسد يفشل. أما إذا كنتَ تنشد ما كان ينشده بطرس، إذا كنتَ تنشد ممارساتٍ وتغييرًا حقيقيًا، ولم تكن متكبرًا أو عنيدًا، لكنك تنشد القيام بواجبك، حينئذٍ سوف تكون خليقة الله القادرة على تحقيق نصر. لم يكن بولس يعرف جوهره أو فساد نفسه، ولم يكن بالأحرى يعرف عصيانها، ولم يذكر قط مقاومته الحقيرة للمسيح، ولم يشعر قط بندمٍ مُفرِط، كل ما هنالك أنه قدم تبريرًا مقتضبًا فحسب، لكنه في أعماق قلبه لم يخضع بالكلية لله. رغم أنه سقط في الطريق إلى دمشق، إلا أنه لم ينظر إلى أعماق نفسه، وكان راضيًا بمجرد مواصلة العمل، لكنه لم ينظر إلى مسألة معرفة ذاته وتغيير شخصيته القديمة بوصفها أهم المسائل، وكان راضيًا بمجرد الحديث عن الحق، وبخدمة الآخرين كخادم من أجل ضميره، وبأنه لم يعد يضطهد تلاميذ المسيح حتى يعزي نفسه ويسامحها على خطاياها السالفة. لم يكن الهدف الذي سعى إليه أكثر من مجرد إكليل مستقبلي وعمل زائل. كان هدفه الذي سعى إليه هو النعمة الجزيلة. لكنه لم ينشد الحق الكافي أو التعمق في الحق الذي لم يفهمه من قبل؛ لذلك يمكن القول عن معرفته بنفسه إنها كاذبة، وإنه لم يقبل توبيخًا أو دينونة. إن مقدرته على العمل لا تعني معرفته بطبيعة ذاته أو بجوهرها؛ فقد كان اهتمامه بالممارسات الخارجية فقط. الأكثر من ذلك أن ما كان يصبو إليه هو المعرفة وليس التغيير. كان عمله بالكامل نتيجة ظهور يسوع له في الطريق إلى دمشق، وليس أمرًا عقد العزم على أن يقوم به في الأصل أو عملاً قام به بعد أن قَبِلَ تهذيب شخصيته القديمة. إن شخصيته، وبغض النظر عن الطريقة التي عمل بها، لم تتغير، وكذلك عمله لم يكفر عن خطاياه السالفة، لكنه فحسب اضطلع بدورٍ معين بين الكنائس في ذلك الوقت. بالنسبة لشخص كهذا لم تتغير شخصيته القديمة – بمعنى أنه لم يفُز بالخلاص، بل والأكثر من ذلك أنه كان خاليًا من الحق – لم يكن بوسعه مطلقًا أن يصبح واحدًا ممَنْ قبلهم الرب يسوع. لم يكن شخصًا قد امتلأ بالمحبة والتوقير ليسوع المسيح أو شخصًا متمرسًا في البحث عن الحق، وبالتأكيد لم يكن شخصًا يبحث عن سر التجسد، لكنه كان مجرد شخص ضليع في السفسطة، ولا يخضع لمَنْ هو أعلى منه أو لمَنْ امتلك الحق. كان يحقد على الناس أو الحقائق التي تناقضه أو تعاديه، ويُفضِّل الناس الموهوبين الذين يقدمون صورة رائعة ويملكون معرفة عميقة. لم يكن يحب التعامل مع الفقراء الذين كانوا يبحثون عن الطريق الحقيقي ولا يهتمون إلا بالحق، لكنه – بدلاً من ذلك – شغل نفسه بالعظماء في المؤسسات الدينية الذين لا يتحدثون إلا في العقائد، وكان مولعًا بالمعرفة الفياضة. لم تكن فيه أي محبة لعمل الروح القدس الجديد، ولم يهتم بحركة هذا العمل، لكنه كان يفضل – بدلاً من ذلك – الشرائع والعقائد التي كانت أعلى من الحقائق العامة. في جوهره الفطري وفي سعيه برمته، لم يستحق أن يُدعى مسيحيًا يسعى إلى الحق، ناهيك عن أن يُدعى خادمًا أمينًا في بيت الله، فرياؤه كان كثيرًا، وعصيانه كان عظيمًا جدًا. رغم أنه يُعرَف بخادم الرب يسوع، لم يكن يصلح مطلقًا للدخول من بوابة ملكوت السموات، لأن أفعاله من البداية إلى النهاية لا يمكن أن تُسمى صالحة. يمكن ببساطة النظر إليه كشخصٍ منافق لا يسلك ببر، لكنه في الوقت ذاته يعمل من أجل المسيح. رغم أنه لا يمكن أن يُدعى شريرًا، يمكن أن يُدعى بأريحية رجلاً لا يسلك ببر. رغم أنه عَمِلَ عملاً كثيرًا، لكن ينبغي ألا يُحكَم عليه استنادًا إلى كمية العمل الذي قام به، وإنما بجودته وجوهره فحسب. بهذه الطريقة فقط يمكن إدراك هذا الأمر على حقيقته. كان إيمانه دائمًا: أنا قادر على العمل، أنا أفضل من غالبية الناس؛ فأنا أهتم بعبء الرب كما لم يهتم به أحد غيري، ولا أحد يتوب توبة عميقة مثلي، فالنور العظيم أبرق عليَّ، ورأيتُ النور العظيم، لذلك فإن توبتي أعظم من أي أحد آخر. كان هذا ما فكر فيه في قلبه حينذاك. قال بولس في نهاية عمله: "جاهدتُ الجهاد، أكملتُ السعي، ووضِعَ لي إكليل البر". كان جهاده وعمله وسعيه كلهم من أجل إكليل البر، لكنه لم يتقدم بهمة. رغم أنه لم يكن غير متحمس في عمله، لكن يمكن القول إن عمله كان لمجرد التعويض عن أخطائه والتعويض عن تأنيب ضميره. كان أمله الوحيد أن ينهي عمله ويكمل السعي ويجاهد جهاده بأسرع ما يمكن لعله يفوز بإكليل البر الذي طالما اشتاق إليه في أقرب وقتٍ ممكن. لم يكن اشتياقه مقابلة الرب يسوع باختباراته ومعرفته الحقيقية، بل الانتهاء من عمله بأسرع ما يمكن لعله ينال المكافآت التي يستحقها عن عمله عندما يلاقي الرب يسوع. لقد استخدم عمله في إراحة نفسه، وفي إبرام صفقة في المقابل من أجل إكليل مستقبلي. لم يكن ما سعى من أجله هو الحق أو الله، لكنه الإكليل فحسب. كيف لسعْيٍ كهذا أن يرقى إلى المستوى؟ دوافعه وعمله والثمن الذي دفعه وكل جهوده، كلها تخللتها خيالاته الرائعة، وقد عمل بالكلية بحسب رغباته. لم يكن في عمله كله أدنى رضا بالثمن الذي دفعه؛ فهو كان ضالعًا في صفقة ليس إلا، ولم يكن يبذل جهوده راضيًا من أجل أن يؤدي واجبه، بل كان يبذلها راضيًا ليحقق هدف الصفقة. هل لجهودٍ كهذه أي قيمة؟ مَنْ ذا الذي يمدح جهوده غير النقية؟ مَنْ يهتم بتلك الجهود؟ كان عمله يمتلئ بالأحلام للمستقبل والخطط الرائعة لكنه كان خاليًا من أي طريق لتغيير شخصية الإنسان. الكثير من عمله الخيري كان رياءً؛ فعمله لم يقدم حياة، بل كان لطفًا مُصطنعًا، فقد كان إتمامًا لصفقة. كيف يستطيع عمل كهذا أن يرشد الإنسان إلى طريق استعادة مهمته الأصلية؟

– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. النجاح أو الفشل يعتمدان على الطريق الذي يسير الإنسان فيه

اترك رد