الموقف الذي يتطلَّبه الله من البشر تجاهه
في الواقع، لا يطالب الله البشر بالكثير – أو على الأقلّ فإنه ليس كثير المطالب كما يتخيَّل الناس. لو لم ينطق الله بأية كلمات ولم يعبر عن شخصيَّته أو أي أعمال، لكانت عندئذ معرفة الله صعبةً عليكم للغاية، لأنه سيكون على الناس أن يستنتجوا قصد الله ومشيئته، وهي مسألةٌ صعبة جدًّا عليهم. ولكن في المرحلة الأخيرة من عمله، تكلَّم الله بكلماتٍ كثيرة، وعمل قدرًا هائلاً من العمل، وطالب الإنسان بمُتطلَّباتٍ كثيرة. في كلامه والمقدار الهائل من عمله، أخبر الناس بما يُحبّه وبما يمقته وأيّ نوعٍ من الناس يجب أن يكونوا عليه. بعد فهم هذه الأشياء، يجب أن يكون لدى الناس في قلوبهم تعريفٌ دقيق لمُتطلَّبات الله، لأنهم لا يؤمنون بالله وسط الغموض والتجريد، ولم يعودوا يؤمنون بالإله الغامض أو يتبعون الله وسط الغموض والتجريد والعدم؛ ولكن في المقابل، يمكن للناس سماع أقوال الله ويمكنهم فهم معايير مُتطلَّباته وتحقيقها، ويستخدم الله لغة البشر لإخبار الناس بكُلّ ما يجب أن يعرفوه ويفهموه. إن كان الناس اليوم لا يزالون غير مدركين لماهيَّة الله وما يطلبه منهم، وإن كانوا غير مدركين لسبب إيمانهم بالله، والكيفيَّة التي يجب عليهم بها أن يؤمنوا بالله أو يتصرَّفوا تجاهه، فعندئذٍ تكون هذه مشكلةٌ. ... مُتطلَّبات الله الصحيحة من البشر وأولئك الذين يتبعونه هي كما يلي. يتطلَّب الله خمسة أشياء من أولئك الذين يتبعونه: الإيمان الحقيقيّ، والتبعية الصادقة، والطاعة المطلقة، والمعرفة الحقيقيَّة، والاتّقاء القلبيّ.
في هذه الأمور الخمسة، يتطلَّب الله ألَّا يشكّ الناس به فيما بعد، وألَّا يتبعوه باستخدام خيالهم أو وجهات نظرهم الغامضة والمُجرَّدة؛ ينبغي ألَّا يتبعوا الله بأيَّة خيالاتٍ أو تصوُّرات. يتطلَّب الله من كُلّ واحدٍ من أولئك الذين يتبعونه أن يتبعه بإخلاصٍ وألَّا يتبعه بفتور أو من دون تكريسٍ. عندما يطلب منك الله أيَّة مُتطلَّباتٍ أو يختبرك أو يحكم عليك أو يتعامل معك ويُهذِّبك، أو يُؤدِّبك ويضربك، فيجب أن تكون طائعًا له تمامًا. يجب ألَّا تسأل عن السبب، أو أن تُقدِّم شروطًا، وبالطبع يجب ألَّا تتحدَّث عن السبب. ينبغي أن تكون طاعتك مطلقة. فمعرفة الله هي المجال الذي يفتقر إليه الناس بالأكثر. إنهم يفرضون في أحيانٍ كثيرة الألفاظ والأقوال والكلمات غير المرتبطة به، معتقدين أن هذه الكلمات هي التعريف الأدقّ لمعرفة الله. إنهم لا يعرفون أن هذه الألفاظ، التي تأتي من خيال الناس ومنطقهم الخاصّ وعقلهم، لا تحمل أدنى علاقةٍ بجوهر الله. ومن ثمَّ، أريد أن أخبركم بأنه في معرفة الناس التي يريدها الله، لا يطلب الله مُجرَّد أن تتعرَّف على الله وعلى كلامه، ولكن أن تكون معرفتك بالله صحيحة. فحتَّى إن كنت لا تستطيع سوى أن تقول جملةً واحدة، أو كنت لا تُدرِك سوى القليل، فهذا القدر القليل من الوعي صحيحٌ وحقيقيّ ومتوافق مع جوهر الله ذاته. لأن الله يمقت تسبيح الناس وثناءهم غير الواقعيّ وغير المدروس. بالإضافة إلى ذلك، فهو يمقت أن يعامله الناس مثل الهواء. إنه يمقت أن يتكلَّم الناس بتهكُّمٍ وكما يشاءون ودون تردِّدٍ قائلين كُلّ ما يرونه مناسبًا وذلك عندما يتحدَّثون أثناء نقاشهم عن موضوعاتٍ تخصّ الله. بالإضافة إلى ذلك، فإنه يمقت أولئك الذين يعتقدون أنهم يعرفون الله ويتفاخرون بمعرفة الله ويناقشون موضوعات حول الله دون قيدٍ أو تحفُّظٍ. كان آخر هذه المُتطلَّبات الخمسة هو الاتّقاء القلبيّ. هذا مطلب الله النهائيّ من جميع مَنْ يتبعونه. عندما يكون لدى الشخص المعرفة الصحيحة والحقيقيَّة عن الله، فإنه يكون قادرًا على أن يتَّقي الله ويحيد عن الشرّ. يأتي هذا الاتّقاء من أعماق قلبه، ويكون طوعيًّا، وليس لأن الله قد ضغط عليه. لا يطلب الله منك أن تُقدِّم له هديَّةً مُتمثِّلة في أيّ موقفٍ أو تصرُّفٍ أو سلوكٍ خارجيّ لطيف؛ ولكنه بدلاً من ذلك يطلب منك أن تتّقيه وتخشاه من أعماق قلبك. يتحقَّق هذا الاتّقاء كنتيجةٍ للتغيُّرات في شخصيَّتك الحياتية لأن لديك معرفة بالله، ولأن لديك فهمًا لأفعال الله، وبسبب فهمك لجوهر الله، ولأنك قد اعترفت بحقيقة أنك واحدٌ من مخلوقات الله. ومن ثمَّ، فإن هدفي في استخدام كلمة "القلبيّ" في تعريف الاتّقاء هنا هو أن يفهم البشر أن اتّقاء الناس لله يجب أن ينبع من أعماق قلوبهم.
فكِّر الآن في هذه المُتطَّلبات الخمسة: هل يوجد أحدٌ بينكم قادرٌ على تحقيق الثلاثة الأولى؟ أعني بها الإيمان الحقيقيّ، والتبعية الصادقة، والطاعة المطلقة. هل يوجد أحدٌ بينكم قادرٌ على هذه الأشياء؟ أعرفُ أنه إن قلتُ الخمسة كُلّها، لن يوجد بينكم مَنْ هو قادرٌ على ذلك – ولكني قلَّلتُ العدد إلى ثلاثة. فكِّروا فيما إذا كنتم قد حقَّقتم هذه أم لا. هل من السهل تحقيق "الإيمان الحقيقيّ"؟ (كلا، ليس كذلك). إنه ليس سهلاً، لأن الناس كثيرًا ما يشكّون في الله. وماذا عن "التبعية الصادقة"؟ إلامَ تشير كلمة "الصادقة" هذه؟ (ألَّا تكون فاترة بل نابعة من القلب). ألَّا تكون فاترة بل نابعة من القلب. لقد وجدتم الإجابة الصحيحة تمامًا! هل أنتم قادرون إذًا على تحقيق هذا المطلب؟ يجب عليكم بذل المزيد من الجهد، أليس كذلك؟ في هذه اللحظة عليكم تحقيق هذا المطلب. ماذا عن "الطاعة المطلقة" – هل حقَّقتم ذلك؟ (كلا). لم تُحقِّقوا ذلك أيضًا. فغالبًا ما تكونون غير طائعين ومُتمرِّدين، وغالبًا ما لا تصغون أو ترغبون في الطاعة أو تريدون الاستماع. هذه هي المُتطلَّبات الأساسيَّة الثلاثة الأهمّ التي يُحقِّقها الناس بعد دخولهم إلى الحياة، والتي لا تزال بحاجةٍ إلى أن تتحقَّق فيكم. في هذه اللحظة إذًا، هل لديكم إمكاناتٌ كبيرة؟ اليوم، بعد أن سمعتموني أقول هذه الكلمات، هل تشعرون بالقلق؟ (نعم). من الصواب أن تشعروا بالقلق. لا تقلقوا. أشعر بالقلق بالنيابة عنكم. لن أناقش المُتطلَّبين الآخرين؛ فبلا شكٍّ لا أحد يمكنه تحقيقهما. أنتم قلقون. هل حدَّدتم أهدافكم إذًا؟ ما الأهداف ونحو أيّ اتّجاهٍ يجب عليكم السعي وتكريس جهودكم؟ هل لديكم هدفٌ؟ (نعم). دعوني أتكلَّم بوضوحٍ: عندما تُحقِّقون هذه المُتطلَّبات الخمسة، سوف تكونون قد أرضيتم الله. فكُلٌّ منها مُؤشِّرٌ وهو مُؤشِّرٌ على دخول الناس إلى الحياة بعد أن بلغوا النضج، والهدف النهائيّ من هذا. وحتَّى لو لم أختر سوى واحدٍ من هذه المُتطلَّبات للتحدُّث عنه بالتفصيل وأطلبه منكم، لما كان من السهل تحقيقه؛ ينبغي عليك تحمُّل درجة من المشقَّة وبذل قدرٍ مُعيِّن من الجهد. وأيّ نوعٍ من العقليَّة يجب أن يكون لديكم؟ يجب أن يكون مثل مريض السرطان الذي ينتظر الدخول إلى غرفة العمليَّات. ولماذا أقول هذا؟ إن كنتَ ترغب في أن تؤمن بالله، وترغبَ في ربح الله ونيل رضاه، فحينئذٍ إذا كنتَ لا تتحمَّل درجةً من الألم أو تبذل قدرًا مُعيَّنًا من الجهد، فلن تتمكَّن من تحقيق هذه الأشياء. لقد سمعتم الكثير من الوعظ، ولكن بعد سماعه فإن هذا الوعظ لا يعني أنه مِلكٌ لك؛ ينبغي عليك إدراكه وتحويله إلى شيءٍ يخصّك، ينبغي عليك استيعابه في حياتك واستحضاره في حياتك، ممَّا يسمح لهذه الكلمات ولهذا الوعظ بتوجيه الطريقة التي تعيش بها وإحضار القيمة الوجوديَّة والمعنى لحياتك – وبعد ذلك سوف يكون من المفيد لك سماع هذه الكلمات. إن كانت الكلمات التي أتكلَّم بها لا تُحدِث أيّ تحسُّنٍ في حياتك، أو أيَّة قيمةٍ لوجودك، فلا جدوى من سماعها. أنتم تفهمون هذا، أليس كذلك؟ بعد أن فهمتم ذلك، فإن ما يتبقَّى متروكٌ لكم. ينبغي أن تباشروا العمل! ينبغي أن تكونوا جادّين في كُلّ شيءٍ! لا ترتبكوا – فالوقت يمرّ! لقد آمن معظمكم بالفعل لأكثر من عشر سنواتٍ. انظروا إلى الوراء على هذه السنوات العشر من الإيمان بالله: كم ربحتم؟ وكم من عقود هذه الحياة تبقَّى معكم؟ لا توجد عقودٌ طويلة. انسَ ما إذا كان عمل الله في انتظارك، وسواء كان قد ترك لك فرصةً، وسواء كان سيفعل العمل نفسه مرَّةً أخرى؛ لا تتكلَّم عن هذا. هل يمكنك أن تعكس اتّجاه السنوات العشر الماضية؟ مع كُلّ يومٍ يمرّ وكُلّ خطوةٍ تتّخذها، تقلّ الأيَّام التي تقضيها بمُعدَّل يومٍ. فالوقت لا ينتظر أحدًا! لن تربح من الإيمان بالله إلا إذا كنتَ تعتبره أعظم شيءٍ في حياتك، وأهمّ من الطعام أو الملابس أو أيّ شيءٍ آخر! إن لم تؤمن إلَّا عندما يكون لديك الوقت، ولم تقدر على تكريس اهتمامك الكامل لإيمانك، وإن كنت غارقًا في الارتباك دائمًا، فعندها لن تربح أيّ شيءٍ.
– الكلمة، ج. 2. حول معرفة الله. الله ذاته، الفريد (ي)