إن النتيجة التي يجب أن تتحقق من عمل الإخضاع هي وقف تمرد جسد الإنسان في المقام الأول؛ وأن يكتسب عقل الإنسان فهمًا جديدًا لله، وأن يكون قلبه مطيعًا تمامًا لله، وأن يعقد الإنسان العزم على أن يكون من أجل الله. لا تتحدد كيفية التغييرات المزاجية أو الجسدية للإنسان بما إذا كان هناك خضوع أم لا. بل عندما يتغير تفكير الإنسان ووعيه وتتغير أحاسيسه، عندما يتغير توجهك العقلي بالكامل، حينها يكون قد أخضعك الله. عندما تعقد العزم على أن تطيع، وأن تتبنى عقلية جديدة، وعندما لا تُلحق بكلام الله وعمله أي فكرة من أفكارك أو نواياك، وعندما يستطيع عقلك أن يفكر بشكل طبيعي، بمعنى أنه عندما تستطيع أن تبذل نفسك من أجل الله من كل قلبك، فإنك تكون من نوعية الأشخاص الذين يُخضعون بالكامل. يتألم العديد من الناس في عالم الإيمان ألمًا ليس بالقليل طوال حياتهم، خاضعين أجسادهم أو حاملين صليبهم، حتى أنهم يتألمون ويثبتون إلى النفس الأخير! والبعض منهم لا يزال صائمًا حتى صباح يوم موته؛ فهم يحرمون أنفسهم طيلة حياتهم من الطعام الجيد، والملابس الجميلة، واضعين تركيزهم فقط على المعاناة. إنهم قادرون على إخضاع أجسامهم، وإهمال أجسادهم. إن روحهم جديرة بالثناء من أجل آلامهم المستمرة؛ ولكن تفكيرهم وأفكارهم وتوجهاتهم العقلية، وكذا طبيعتهم القديمة، لم يتم التعامل مع أي من هذه الأشياء على الإطلاق، وليس لديهم فهم حقيقي لأنفسهم. إن صورتهم العقلية عن الله تقليدية، فهي صورة مجردة وغامضة. وعزمهم على المعاناة من أجل الله ينبع من حماسهم وطبيعتهم الإيجابية. ومع أنهم يؤمنون بالله، فهم لا يفهمون الله ولا يعلمون إرادته؛ هم فقط يجاهدون بلا بصيرة ويـتألمون بشكل أعمى من أجل الله. فهم لا يضعون أي قيمة على الإطلاق لكونهم متبصرين، ويهتمون قليلًا بكيفية التأكد من أن خدمتهم تحقق مشيئة الله، ولا حتى عرفوا على الأقل كيف يحققون فهمًا لله. إن الإله الذي يخدمونه ليس الله في صورته الأصلية، بل إله استحضروه، أو إله سمعوا عنه، أو إله أسطوري موجود في الكتابات؛ ثم يستخدمون مخيلتهم الخصبة وقلوبهم الصالحة ليتألموا من أجل الله ويعانوا من أجل الله ويضعوا على عاتقهم العمل الذي يريد الله القيام به. إن خدمتهم ليست دقيقة بالمرة، بحيث لا يوجد أحد يخدم الله بشكل عملي بطريقة تحقق إرادته. وبغض النظر عن مدى استعدادهم للآلام، فإن وجهة نظرهم الأصلية حول الخدمة وصورتهم العقلية عن الله تبقى دون تغيير لأنهم لم يخضعوا لدينونة الله وتوبيخه وتطهيره وكماله، ولأنه لم يقُدْهم أحد إلى الحق؛ حتى وإن كانوا يؤمنون بيسوع المخلِّص، لم يرَ أحد منهم المخلِّص قط. هم يعرفونه فقط من خلال الأسطورة والشائعات، ومن ثمَّ فإن خدمتهم لا تعدو كونها خدمة عشوائية بأعين مغلقة مثل إنسان أعمى يخدم أباه. ما الذي يمكن تحقيقه في نهاية المطاف من خلال مثل هذا النوع من الخدمة؟ ومَنْ الذي يوافق عليها؟ من البداية إلى النهاية، لا تتغير خدمتهم أبدًا. إنهم يتلقون دروسًا من صنع الإنسان فقط ولا يبنون خدمتهم إلا على سجيتهم وما يحبونه هم أنفسهم. أي مكافأة يمكن أن يحققها هذا؟ ولا حتى بطرس الذي رأى يسوع، الذي عرف كيف يخدم بطريقة تحقق إرادة الله، لم يكن حتى النهاية في شيخوخته فاهمًا. بماذا يخبرنا هذا عن هؤلاء الرجال الأكفاء الذين ليس لديهم أي خبرة تعامل أو تهذيب والذين لم يكن هناك مَنْ يرشدهم؟ ألا تُشبه خدمة الكثيرين منكم اليوم خدمة أولئك العُميان؟ كل أولئك الذين لم يتقبلوا الدينونة، ولم يحصلوا على التهذيب والتعامل، ولم يتغيروا – أليسوا هم مَنْ لم يخضعوا بشكلٍ كاملٍ؟ ما فائدة هؤلاء الناس؟ إذا كان تفكيرك وفهمك للحياة وفهمك لله لا يُظهر أي تغيير جديد ولا يؤدي إلى ربح حقيقي، فلن تحقق أي شيء مميز في خدمتك! بدون رؤية وبدون فهم جديد لعمل الله، لا يمكنك أن تكون شخصًا خاضعًا؛ وستكون طريقتك في اتباع الله مثل أولئك الذين يتألمون ويصومون – ستكون قليلة القيمة! هذا بالضبط لأن هناك القليل من الشهادات فيما يفعلونه ولذلك أنا أقول إن خدمتهم غير مجدية! يتألم هؤلاء الناس طوال حياتهم، يقضون الوقت في السجن، وفي كل لحظة يتحملون ويصرون على المحبة والشفقة، ويحملون صليبهم. لقد افترى عليهم العالم ورفضهم واختبروا كل ضيقة؛ لقد أطاعوا حتى النهاية، لكنهم لا يزالون غير خاضعين ولا يستطيعون تقديم أي شهادة بأنهم خاضعون. لقد عانوا معاناة لا يُستهان بها، لكنهم داخليًا لا يعرفون الله على الإطلاق. لم يتعاملوا مع أي من أفكارهم القديمة، أو المفاهيم القديمة، والممارسات الدينية، والمفاهيم التي من صنع الإنسان، والأفكار البشرية. لا يوجد لديهم فهم جديد على الإطلاق، وحتى القليل من فهمهم لله ليس صحيحًا أو دقيقًا؛ إنهم يسيئون فهم إرادة الله. هل يمكن أن تكون هذه خدمة لله؟ لكنك فهمت الله في الماضي، افترض أنك تحافظ عليه اليوم وتستمر في تأسيس فهمك لله بناءً على مفاهيمك وأفكارك الخاصة بغض النظر عمَّا يفعله الله. بمعنى، لنفترض أنك لا تملك أي فهم جديد وفعلي لله وأنك فشلت في معرفة صورة الله الحقيقية وطبيعته الحقيقية؛ لنفترض أن إدراكك لله لا يزال يسترشد بالتفكير العدائي والخرافي وما يزال وليد خيال الإنسان ومفاهيمه. إذا كان هذا هو الحال، فإنك لم تُخضع بعد. هدفي في قول كل هذه الكلمات إليك الآن هو السماح لك بإدراك هذه المعرفة واستخدامها لتقودك إلى فهم دقيق وجديد؛ كما أنها تهدف إلى التخلُّص من تلك الأفكار القديمة والمعرفة القديمة التي تحملها بداخلك حتى تتمكن من امتلاك فهم جديد. إذا كنت حقًا تأكل وتشرب كلامي، عندها سيتغير إدراكك بشكل كبير. طالما كنت تحافظ على قلب مطيع وأنت تأكل وتشرب كلام الله، فإن منظورك سيتخذ اتجاهًا مغايرًا. طالما أنك قادر على قبول التوبيخ المتكرر، فإن عقليتك القديمة ستتغير تدريجيًا. طالما تم استبدال عقليتك القديمة تمامًا بالجديدة، فإن ممارساتك ستتغير أيضًا وفقًا لذلك. وبهذه الطريقة، ستقترب خدمتك نحو الهدف أكثر فأكثر، وستكون أكثر قدرة على تلبية إرادة الله. إذا استطعت تغيير حياتك، وفهمك للحياة، ومفاهيمك العديدة عن الله، فعندئذٍ ستتضاءل طبيعتك تدريجيًا. هذا، وليس أقل من هذا، بعد أن يُخضع الله الإنسان، ستصبح النتيجة هي التغيير الذي سيظهر في الإنسان. إذا كان كل ما تعرفه في إيمانك بالله هو إخضاع جسدك والاستمرار في الآلام، بينما أنت غير متيقن إذا كان ما تفعله صحيحًا أم خطأً، وناهيك من أجل مَنْ؛ فكيف سيقود مثل هذا النوع من الممارسات إلى التغيير؟
– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الحقيقة الكامنة وراء عمل الإخضاع (3)