القائمة

لأعلى التالي

كلمات الله اليومية: معرفة عمل الله | اقتباس 203

84 2020-12-04

ما الذي يعنيه أن تُكمَّل؟ ما الذي يعنيه أن تُخضَع؟ ما الشروط التي يجب على المرء أن يستوفيها حتى يُخضَع؟ وما الشروط التي يجب على المرء أن يستوفيها حتى يُكمَّل؟ إن الإخضاع والتكميل كليهما لغرض جعل الإنسان كاملًا بحيث يستطيع العودة إلى صورته الأصلية، ويكون خاليًا من الشخصية الشيطانية الفاسدة وتأثير الشيطان. يأتي هذا الإخضاع في أوائل عملية العمل في الإنسان، بمعنى أنه الخطوة الأولى من العمل. أما التكميل، فهو الخطوة الثانية أو إتمام العمل. ينبغي على كل كائن بشري أن يمر بالإخضاع، وإلا فإنه لن يتمكَّن من معرفة الله ولن يعرف حتى إنه يوجد إله، وهو ما يعني أنه لن يتمكَّن من الاعتراف بالله، وإن لم يعترف الشخص بالله، فسوف يستحيل عليه أن يُكمَّل بواسطة الله، إذ أنه لن يفي باشتراطات هذا التكميل. إن لم تكن حتى تعترف بالله، فكيف تستطيع أن تعرفه؟ وكيف تسعى ورائه؟ إنك كذلك لن تقوى على تقديم شهادة له، فما بالك بامتلاك الإيمان الذي يرضيه. إذًا، فالخطوة الأولى لأي شخصٍ يرغب في أن يُكمَّل لا بد أن تكون هي المرور بعمل الإخضاع. هذا هو الشرط الأول. لكن سواء أكان الإخضاع أم التكميل، فالجميع من أجل هدف العمل في الإنسان وتغييره، وكل واحدة منهما ما هي إلا عنصر في عمل تدبير الإنسان. إن هاتين الخطوتين هما ما يلزم لتحويل شخصٍ ما إلى شخص كامل، ولا يمكن التجاوز عن أيٍّ منهما. صحيح أن "الإخضاع" ليس بالشيء اللطيف جدًا، لكنَّ عملية إخضاع شخصٍ ما هي – في واقع الأمر – إلا عملية تغييره. ربما لا تكون قد تخلصت تمامًا من شخصيتك الفاسدة بعد الإخضاع، لكنك بالتأكيد ستكون قد عرفتها؛ حيث إنك تصبح من خلال عمل الإخضاع على دراية بوضاعة طبيعتك البشرية وبالكثير من عصيانك، ورغم أنه سيتعذر عليك أن تنزع كل هذا أو تغيره في غضون مدة عمل الإخضاع الوجيزة، إلا أنك سوف تصبح على دراية به، وهو ما يضع أساسًا لتكميلك. إذًا، فالإخضاع والتكميل كلاهما يتم لتغيير الإنسان وتخليصه من شخصيته الشيطانية الفاسدة بحيث يستطيع أن يُسلِّم نفسه بالكلية لله. إن مجرد الإخضاع ليس إلا الخطوة الأولى لتغيير الشخصية البشرية، وهو أيضًا الخطوة الأولى لتسليم الإنسان نفسه بالكلية لله، وهو بدوره خطوة أقل من أن تُكمَّل؛ فشخصية حياة الشخص المُخضَع تشهد تغيرًا أقل بكثير مما تشهده شخصية الشخص المُكمَّل. يختلف الإخضاع عن التكميل في المفهوم لأنهما مرحلتان مختلفتان من العمل، ولأن كلًا منهما يلزم الناس بمعايير مختلفة؛ فالإخضاع يُلزِم الناس بمعايير أدنى، بينما يُلزمهم التكميل بمعايير أعلى. إن المُكمَّلين هم أناس أبرار. إنهم أناس قد قُدِّسوا وطُهِّروا. إنهم يبلورون عمل تدبير البشرية، أو قُل إنهم بمثابة المنتجات النهائية. رغم أنهم ليسوا بشرًا كاملين، لكنهم أناس يطلبون أن يحيوا حياة ذات معنى. لكن المُخضَعون هم يعترفون فحسب بأن الله موجود؛ فيعترفون بأن الله قد تجسّد بذاته، وأن الكلمة قد ظهر في الجسد، وأن الله قد جاء إلى العالم ليقوم بعمل الدينونة والتوبيخ. إنهم كذلك يعترفون بأن دينونة الله وتوبيخه وضربه وتنقيته كلها نافعة للإنسان. بمعنى أنهم فحسب في مستهل اقتناء صورة إنسان، ويفهمون الحياة بعض الشيء، لكنَّ رؤيتهم لها تظل ضبابية، أو بعبارة أخرى، إنهم فحسب في مستهل اقتناء طبيعة بشرية. تلك هي نتائج الإخضاع. عندما يخطو الناس في طريق الكمال، يصبح بالإمكان تغيير شخصيتهم القديمة. كذلك تظل حياتهم تنمو، ويتعمقون تدريجيًا في الحق، وتصبح لديهم القدرة على كراهية العالم وكل الذين لا يسعون وراء الحق. إنهم بصفة خاصة يكرهون أنفسهم، والأكثر من ذلك، إنهم يعرفون ذواتهم بوضوح. إنهم يرغبون في الحياة بالحق، ويتخذون من السعي وراء الحق هدفًا لهم. إنهم لا يرغبون في الحياة داخل الأفكار التي تولدها عقولهم، ويشعرون بالكراهية للبر الذاتي للإنسان ومن عجرفته وعجبه بذاته. إنهم يتكلمون بلياقة رفيعة، ويتعاملون مع الأشياء بفطنة وحكمة، وهم مخلصون ومطيعون لله. ليس فقط أنه لا يصيبهم الوهن أو الفتور إذا مروا بحالة من التوبيخ والدينونة، بل إنهم يشعرون بالامتنان لتوبيخ الله ودينونته. إنهم يؤمنون أنه لا يسعهم أن يسيروا من دون توبيخ الله ودينونته؛ بل بوسعهم أيضًا أن ينالوا حمايته من خلالهما. إنهم لا ينشدون إيمان السلام والفرح وطلب الخبز لإشباع الجوع، ولا يسعون وراء ملذات جسدية مؤقتة. هذا ما لدى المُكمَّلين. بعد أن يُخضَع الناس، يعترفون بأنه يوجد إله، لكن مهما صاحب الاعتراف بوجود الله من أفعال، تظل هذه الأفعال محدودة في داخلهم. ما الذي يعنيه فعليًا ظهور الكلمة في الجسد؟ ما الذي يعنيه التجسّد؟ ما الذي فعله الله المتجسِّد؟ وما هدف عمله وما أهميته؟ بعد اختبار قدر كبير من عمله، واختبار أفعاله في الجسد، ماذا استفدتَ؟ لن تصبح شخصًا مُخضعًا إلا بعد أن تفهم كل هذه الأشياء. إذا اكتفيت فقط بأن تقول إنك تعترف بوجود إله، لكنك لم تهجر ما يجب أن تهجره، وفشلت في التخلي عن المتع الجسدية التي يجب أن تتخلى عنها، بل ظللت – بدلاً من ذلك – تشتهي تنعُّم الجسد كما تفعل دائمًا، فلن تتمكن من ترك أي تحيُّز ضد الإخوة والأخوات، وتفشل في الكثير من الممارسات البسيطة في القيام بما عليك لتحقيق الأفعال، فإن ذلك يثبت أنك لم تُخضَع بعد. في تلك الحالة، حتى إذا كنتَ تفهم الكثير، فلن تكون لذلك كله قيمة. المُخضعون هم أناس حققوا بعض التغييرات المبدئية ودخولًا مبدئيًا. إن مرورهم بدينونة الله وتوبيخه يكسبهم معرفة مبدئية بالله وفهمًا مبدئيًا للحق. حتى بالنسبة للكثير من الحقائق الأعمق والأكثر تفصيلًا التي تعجز عن إدراك واقعها بصورة تامة، تستطيع أن تمارس الكثير من الحقائق البدائية في حياتك الواقعية، كتلك الحقائق المتعلقة بالمتع الجسدية أو الحالة الشخصية. كل هذا بالطبع هو ما يتحقق داخل أولئك الذين يمرون بالإخضاع. كذلك يمكن رصد بعض التغيرات في شخصية المُخضَعين؛ فالملبس والهندام والحياة – على سبيل المثال – يمكن أن تتغير جميعها. كذلك يتغير منظور الإيمان بالله لديهم، ويدركون هدف سعيهم، وترتفع طموحاتهم. كذلك قد تتغير طباع حياتهم أيضًا في إطار مرورهم بالإخضاع. إنهم يتمتعون بتغييرات، لكنها تغييرات ضحلة ومبدئية وأقل كثيرًا من تغيير الشخصية وأهداف السعي التي يتمتع بها أولئك الذين قد نالوا الكمال. لو لم تتغير شخصية شخصٍ ما مطلقًا في إطار إخضاعه ولم يكتسب ولو قليلًا من الحق، يصبح هذا النوع من الأشخاص مجرد نفاية عديم الفائدة تمامًا! ليس بالإمكان تكميل أناس لم تُخضَع! كذلك، إذا سعى شخص ما كي يُخضَع فحسب، فليس بالإمكان تكميله بالكلية، حتى لو أظهرت شخصيته بعض التغييرات المصاحبة أثناء عمل الإخضاع. سوف يفقد أيضًا الحقائق المبدئية التي اكتسبها. ثمة اختلاف شاسع في مقدار التغيير في الشخصية بين الشخص المُخضَع والشخص المُكمَّل. لكن يظل الإخضاع هو الخطوة الأولى في التغيير. إنه الأساس، ويُعَد غياب هذا التغيير المبدئي دليلًا على أن الشخص لا يعرف الله معرفة فعلية مطلقًا، لأن هذه المعرفة تأتي من الدينونة، وهذه الدينونة من العناصر الرئيسية لعمل الإخضاع. لذلك، لا بد أن يكون كل شخص مُكمَّل قد مر أولًا بالإخضاع، وإلا، فلا سبيل أمامه للوصول إلى التكميل.

– الكلمة، ج. 1. ظهور الله وعمله. الحقيقة الكامنة وراء عمل الإخضاع (4)

اترك رد